تعلّقت مشيئته وإرادته بها هو كون العبد مختاراً في أفعاله ، فهو أراد واختار أن يكون العبد مريداً ومختاراً ، وحينئذٍ لازم عدم كون الإنسان مختاراً تخلّف إرادته عن مراده وعدم نفوذ إرادته ومشيّته في جميع الأشياء ، وهو خلف.
وبعبارة اخرى : المؤثّر في تحقّق الأفعال في الخارج ارادتان : إرادة العبد وإرادة الله ، ولكن إرادة العبد في طول إرادة الله ، فلا تنافي إطلاق سلطنته ونفوذ مشيّته في جميع الأشياء ، فالله يريد كون العبد مختاراً في أفعاله ، والعبد يريد الفعل باختياره وإرادته.
الوجه الثاني : ما يشبه الدليل الأوّل ، ولكنّه من طريق آخر وهو وصف الخالقية ، ببيان إنّ الله تعالى خالق لكلّ شيء ، ولا شريك له في خالقيته لجميع الأشياء التي فالله أفعال العباد هو الخالق لأفعال الإنسان لا أنّ الإنسان هو خالق لها ( وهذا دليل عموم الخلقة وتوحيدها ).
والجواب عنه : يشبه الجواب عن الوجه السابق ، وهو أنّ خلق العبد أفعاله أيضاً يكون ناشئاً من إرادته وخالقيته ، فإنّه تعالى خلق للعبد إرادة خالقة وجعله قادراً على الخلق والإيجاد في أفعاله ، فخلق العبد في طول خلق الله ، وقدرته على الخلق في طول قدرته ، فالله تبارك وتعالى خالق بالذات ومستقلاً ، والعبد خالق بالغير وفي طول خلقه ، وخلقه مستند إلى خلقه ، وهذا لا يعدّ شركاً بل هو عين التوحيد.
الوجه الثالث : دليل العلم ، وبيانه أنّ الله تعالى كان عالماً بأفعال العباد خيرها وشرّها وطاعتها ومعصيتها بتمام خصوصّياتها من الأزل ولا بدّ من وقوعها مطابقة لعلمه ( سواء كان علمه علّة لها أو كاشفاً عنها ) وإلاّ يلزم أن يصير علمه جهلاً ، فنحن مجبورون في أفعالنا حتّى لا يلزم هذا المحذور الفاسد ( وهذا ممّا ظهر في لسان بعض الأشعار كقول الشاعر الفارسي : « گر مى نخورم علم خدا جهل شود » أي لو لم أشرب الخمر لكان علمه تعالى جهلاً لأنّه كان يعلم من الأزل أنّي أشرب الخمر!
والجواب عنه أيضاً واضح ، لأنّه تعالى كان يعلم من الأزل أنّ العبد يصدر منه الفعل باختياره وإرادته ( أي إرادة العبد ) فلو صدر منه الفعل جبراً لزم صيرورة علمه تعالى جهلاً ، لأنّه كان يعلم بصدوره عن اختياره ، ولذا قال الشاعر الفارسي العالم الخبير في الجواب عن الشعر السابق « علم ازلى علت عصيان گشتن ـ نزد عقلا ز غايت جهل بود » ، وهذا نظير نسخة المريض التي يكتبها الطبيب لرفع مرضه مع أمره باجتنابه عن بعض المأكول أو