تمهيد
ذكر علماء العربية بإزاء كلّ حرف معنى معيّناً ف ( من ) موضوعة للابتداء و ( في ) للظرفية و ( هل ) للاستفهام وهكذا. وقد لاحظ علماء الأصول أنَّ هناك فرقاً واضحاً بين شرح اللغوي وتحديده لمعاني الأسماء أو الأفعال ، كأن يقول مثلاً ( الأسد ) هو الحيوان المفترس أو ( جلس ) بمعنى قعد ، وبين تحديداتهم تلك لمعاني الحروف من حيث انَّ شرح الاسم أو الفعل ينبئ عن مرتبة من الترادف والتوحّد في المعنى بين الكلمة المشروحة والكلمة الشارحة ، بحيث يصحّ استبدال إحداهما بالأخرى في مجال الاستعمال دون أن يختل التركيب الذهني لصورة المعنى المعطاة بالكلام ، بينما لا يتأتى ذلك في معاني الحروف. فالظرفية مثلاً لا يمكن أن يستعمل بحال من الأحوال بدلاً عن حرف ( في ) ولا الابتداء بدلاً عن ( من ).
وقد استأثرت هذه الظاهرة باهتمام الأصوليين فدفعتهم إلى مواصلة البحث والتنقيب في مدلولات الحروف ليخرجوا بالتحليل النهائيّ الّذي على أساسه يمكن تفسير واقع الفروق بين المعاني الحرفية والمعاني الاسمية. ولذلك كان هذا البحث الأصولي اللفظي تحليليّاً لا لغوياً ، إذ لا يواجه الأصولي فيه شكّا حقيقيّاً في أصل مدلول الحرف يراد دفعه ، وليس هناك غموض فيه يطلب علاجه بهذا البحث. بل معنى كلّ