وهناك قسم ثالث من الجمل الخبرية تعتبر مزدوجة مركّبة من جملة اسمية وفعلية وهي الجملة الاسمية التي يكون الخبر فيها فعلاً ، كقولك « البدر طلع » والبحث عن هذا النوع من الجمل يقع في مقامين :
الأول : تشخيص كونها مركّبة من جملتين أي جملة كبرى بحسب مصطلح النحاة أو جملة واحدة فعلية تقدّم فيها الفاعل على الفعل.
الثاني : في كيفية تصوير النسبة التصادقية في الجمل المركّبة ـ الجمل الكبرى ـ.
أمَّا المقام الأول : فالمعروف المشهور بل المتّفق عليه عند علماء العربية اعتبار أمثال هذه الجملة مركّبة من جملتين جملة صغرى تقع محمولاً داخل الجملة الكبرى على حدّ قولنا « زيد أبوه قائم » وذلك باعتبار أن الفاعل لا بدَّ وأن يتأخّر عن الفعل فيذكر بعده امَّا صريحاً أو بضمير يرجع إلى ما قبله « فالبدر طلع » يعني « البدر طلع هو » فيكون الخبر جملة فعلية لا محالة وفي قبال ذلك هنالك اتّجاه حديث من قبل بعض الباحثين يقضي باعتبار الجملة المزدوجة جملة واحدة فعلية تقدّم فيها الفاعل على الفعل فجملة « البدر طلع » هو نفس جملة « طلع البدر » وذلك لأنَّه لا يطرأ بتقديم الفاعل فيها على الفعل أي جديد إلا تقديم المسند إليه وهو لا يغيّر من طبيعة الجملة ولا من معناها وأمَّا قصة تأخّر الفاعل عن الفعل رتبة فهي تعسفات وتفلسفات ألزم بها النحاة أنفسهم وقد أوقعتهم في كثير من المشكلات على حدّ تعبيره (١).
ونحن وإن كنَّا قد نتّفق مع الباحث المذكور في وقوع شيء من التكلّف والتفلسف غير المنسجم مع طبيعة البحوث اللغوية ووظيفتها أحياناً في كلمات النحاة حين حاولوا تعليل القواعد العربية وصياغتها في قوالب الفلسفة الإغريقية. ولكنا مع ذلك نرى انَّ هذه المحاولات أو جملة منها على الأقل لم تكن أكثر من مجاراة مع روح العصر وثقافته ولغته العلمية آنذاك لإعطاء ضوابط فنيّة ومدرسيّة عمَّا كانوا يدركونه مسبقاً
__________________
(١) راجع « في النحو العربي » ص ٣٩ ـ ٤٠