الوجه الثالث : ما أفاده السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ من انَّ الحرف موضوع لتخصيص المفهوم الاسمي وتضييقه بمعنى انَّ المفهوم الاسمي قابل في نفسه للتخصيص إلى حصص كثيرة والانطباق عليها ، فان أريد تفهيم ذات المعنى أمكن الاكتفاء بالاسم ، وامَّا إذا أريد تفهيم حصّة خاصة منه فحيث انَّ الاسم لا يفي بذلك فلا بدَّ من تفهيمها بنحو تعدد الدال والمدلول بأن يكون الاسم دالاً على ذات المعنى والحرف دالاً على تحصصه وضيق دائرة قابلية الانطباق فيه (١).
والصحيح : انَّ تحصيص مفهوم اسمي بلحاظ مفهوم اسمي آخر لا يعقل أن يكون إلا بلحاظ افتراض نسبة بين المفهومين بحيث يقع أحد المفهومين طرفا لنسبة مع المفهوم الآخر ـ من قبيل نسبة الظرفية بين النار والموقد ـ ويصبح بذلك حصّة خاصة من النار وينشأ ضيق في دائرة انطباقه يوجب امتناع انطباقه على الفاقد للنسبة ، وما لم تفرض في المرتبة السابقة نسبة بين مفهومين لا يعقل ان يتضيّق أحدهما بلحاظ الآخر. وعلى هذا فان أريد بالوضع للتخصيص كون الحرف موضوعاً لما هو ملاك التحصيص أي النسب التي بها تتحصّص المفاهيم الاسمية بعضها بالبعض الآخر فهذا نفس المدّعى السابق الموضح في الاتجاه الثالث وليس شيئاً آخر في قباله ، وإن أريد كون الحرف موضوعاً لنفس التحصيص فيرد عليه.
أولا : انَّ التحصيص والضيق لما كان في طول أخذ نسبة بين المفهومين لا محالة فلا بدَّ من دال على تلك النسبة فان لم يكن هناك دال عليها بقي المدلول ناقصاً ، وحيث لا يتصوّر دال غير الحرف فيتعيّن كون الحرف دالاً عليها ومعه يكتمل مدلول الكلام ولا معنى لأخذ الضيق والتحصيص في مدلول الحرف حينئذ.
وثانياً : انَّ التحصيص والضيق في طول النسبة وممَّا يستتبعه المعنى الحرفي لا انَّه بنفسه المعنى الحرفي وفي طول المعنى الحرفي ، ولهذا نجد انَّه ليس مساوقاً مع جميع المعاني
__________________
(١) راجع محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٨٠ ـ ٨٥