حرف وموضع استعماله واضح لديه بنحو الإجمال ، ولو فرض الشك في مدلول حرف معيّن أمكن رفعه بالرجوع إلى كتب اللغة أو اتّباع وسائل تشخيص المعنى المشكوك فيه التي تقدّمت الإشارة إليها وسوف يأتي تطبيقها في البحوث اللفظية اللغوية.
وإنَّما يعالج هذا البحث ـ بعد الفراغ عن صحة ما ذكر بإزاء كلّ حرف من المعاني لغويّاً ـ حقيقة الفرق بين كيفيّة تصوّر الذهن للمعاني الحرفية وتصوّرها للمعاني الاسمية ، الأمر الّذي نلمس أثره الظاهر في عدم إمكان استعمال أحدهما مكان الآخر رغم كونه شرحاً له وتحديداً لمحتواه.
والمتلخص من مجموع كلمات الأعلام في تشخيص معاني الحروف وفرقها عن معاني الأسماء اتجاهات ثلاثة رئيسية نستعرضها فيما يلي تباعاً.
ويقيس أصحاب هذا الاتجاه الحروف بالحركات الإعرابيّة ، فيدّعى بأنَّها لم توضع بإزاء معنى خاص وانَّما هي لمجرّد التنبيه على أنَّ مدخولها مظروف أو مبدوء به وهكذا ، كما يقال في الحركات الإعرابية من أنَّها علامة على خصوصية الفاعلية أو المفعولية.
والاعتراض على هذا المسلك : بأنَّ إفادة الخصوصيات أيضا يساوق الوضع بإزاء معنى إذ لا يشترط في المعنى أن يكون معنى تاماً مستقلاً. يمكن الإجابة عليه من قبل أصحاب هذا الاتجاه : بأنَّ المقصود وضع الاسم المقيّد بالحرف للمعنى الخاصّ بحيث لا يبقى للحرف مدلول إضافي في الكلام يستفاد منه بنحو تعدّد الدال والمدلول كما هو المطلوب.
والصحيح أن يقال : انَّ هذا الاتجاه إن أريد به فراغ الحروف من الدلالة والتأثير في تكوين المدلول نهائيّاً فهو باطل بضرورة الوجدان اللغوي والعرفي ، لأنَّ لازمه أن لا يكون حذف الحرف المساهم في تكوين الجملة مضراً بمعناها أصلاً وهو خطأ واضح.