قوله تعالى : لا إله إلا هو ، جئ به لتأكيد نصوصية الجملة السابقة في التوحيد ونفي كل توهم أو تأويل يمكن أن يتعلق بها ، والنفي فيه نفي الجنس ، والمراد بالاله ما يصدق عليه الاله حقيقة وواقعا ، وحينئذ فيصح أن يكون الخبر المحذوف هو موجود أو كائن ، أو نحوهما ، والتقدير لا إله بالحقيقة والحق بموجود ، وحيث كان لفظة الجلالة مرفوعا لا منصوبا فلفظ إلا ليس للاستثناء ، بل وصف بمعنى غير ، والمعنى لا إله غير الله بموجود.
فقد تبين أن الجملة أعني قوله : لا أله إلا هو ، مسوقة لنفي غير الله من الآلهة الموهومة المتخيلة لا لنفي غير الله وإثبات وجود الله سبحانه ، كما توهمه كثيرون ، ويشهد بذلك أن المقام إنما يحتاج إلى النفي فقط ، ليكون تثبيتا لوحدته في الالوهية لا الاثبات والنفي معا ، على أن القرآن الشريف يعد أصل وجوده تبارك وتعالى بديهيا لا يتوقف في التصديق العقلي به ، وإنما يعني عنايته بإثبات الصفات ، كالوحدة ، والفاطرية ، والعلم ، والقدرة ، وغير ذلك.
وربما يستشكل تقدير الخبر لفظ الموجود أو ما بمعناه أنه يثبت نفي وجود إله غير الله لا نفي إمكانه ، فيجاب عنه بأنه لا معنى لفرض موجود ممكن مساوى الوجود والعدم ينتهي إليه وجود جميع الموجودات بالفعل وجميع شئونها ، وربما يجاب عنه بتقدير حق ، والمعنى لا معبود حق إلا هو.
قوله تعالى : الرحمن الرحيم ، قد مر الكلام في معناهما في تفسير البسملة من سورة الفاتحة وبذكر الاسمين يتم معنى الربوبية ، فإليه ، تعالى ينتهي كل عطية عامة ، بمقتضى رحمانيته ، وكل عطية خاصة واقعة في طريق الهداية والسعادة الاخروية بمقتضى رحيميته.
قوله تعالى : أن في خلق السموات والارض إلى آخر الآية ، السياق كما مر في أول البيان يدل على أن الآية مسوقة للدلالة والبرهنة على ما تضمنته الآية السابقة أعني قوله تعالى : وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الآية ، فإن الآية تنحل بحسب المعنى إلى أن لكل شئ من هذه الاشياء إلها ، وأن إله الجميع واحد وأن هذا الاله الواحد هو إلهكم ، وأنه رحمن مفيض للرحمة العامة ، وأنه رحيم يسوق إلى سعادة