صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الامور ) الشورى ـ ٤٣ ، دعا إلى الصبر العفو ، وعلله بالعزم والاعظام.
المسلك الثاني : الغايات الاخروية ، وقد كثر ذكرها في كلامه تعالى كقوله سبحانه ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) التوبة ـ ١١١ ، وقوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر ـ ١٠ ، وقوله تعالى : ( إن الظالمين لهم عذاب أليم ) إبراهيم ـ ٢٢ ، وقوله تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) البقرة ـ ٢٥٧ ، وأمثالها كثيرة على اختلاف فنونها.
ويلحق بهذا القسم نوع آخر من الآيات كقوله تعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) فإن الآية دعت إلى ترك الاسى والفرح بأن الذي أصابكم ما كان ليخطئكم وما أخطاكم ما كان ليصيبكم لاستناد الحوادث إلى قضاء مقضى وقدر مقدر ، فالاسى والفرح لغو لا ينبغي صدوره من مؤمن يؤمن بالله الذي بيده أزمة الامور كما يشير إليه قوله تعالى : ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) فهذا القسم من الآيات أيضا نظير القسم السابق الذي يتسبب فيه إلى إصلاح الاخلاق بالغايات الشريفة الاخروية ، وهي كمالات حقيقية غير ظنية يتسبب فيه إلى إصلاح الاخلاق بالمبادئ السابقة الحقيقية من القدر والقضاء والتخلق بأخلاق الله والتذكر بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا ونحو ذلك.
فان قلت : التسبب بمثل القضاء والقدر يوجب بطلان أحكام هذه النشأة الاختيارية وفي ذلك بطلان الاخلاق الفاضلة واختلال نظام هذه النشأة الطبيعية ، فإنه لو جاز الاستناد في إصلاح صفة الصبر والثبات وترك الفرح والاسى كما استفيد من الآية السابقة إلى كون الحوادث مكتوبة في لوح محفوظ ، ومقضية بقضاء محتوم أمكن الاستناد إلى ذلك في ترك طلب الرزق ، وكسب كل كمال مطلوب ، والاتقاء عن كل رذيلة خلقية وغير ذلك ، فيجوز حينئذ أن نقعد عن طلب الرزق ، والدفاع عن الحق ، ونحو ذلك بأن الذي سيقع منه مقضي مكتوب ، وكذا يجوز أن نترك السعي