ومن فورة الجحيم ، ومن هذا الباب أخبار الطينة القائلة : ان طينة السعداء من الجنة ، وان طينة الاشقياء من النار ، أو هما من عليين ، وسجين ، ومن هذا الباب أيضا ما ورد : ان جنة البرزخ في بعض الاماكن الارضية ، ونار البرزخ في بعض آخر ، وان القبر اما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، إلى غير ذلك ، مما يعثر عليه المتتبع البصير في مطاوي الاخبار ، وهي كما ذكرنا بالغة في الكثرة حدا ليس مجموعها من حيث المجموع بالذى يطرح أو يناقش في صدوره أو صحة انتسابه وإنما هو من الهيات المعارف التي سمح بها القرآن الشريف ، وانعطف إلى الجري على مسيرها الاخبار الذي يقضى به كلامه تعالى : ان الاشياء التي في هذه النشأه الطبيعية المشهودة جميعا نازلة إليها من عند الله سبحانه ، فما كانت منها خيرا جميلا ، أو وسيلة خير ، أو وعاء لخير ، فهو من الجنة ، وإليها تعود ، وما كان منها شرا ، أو وسيلة شر ، أو وعاء لشر ، فهو من النار ، وإليها ترجع ، قال تعالى : ( وان من شئ إلا عندنا خزائنه ، وما ننزله إلا بقدر معلوم ) الحجر ـ ٢١ ، أفاد : ان كل شئ موجود عنده تعالى وجودا غير محدود بحد ، ولا مقدر بقدر ، وعند التنزيل ـ وهو التدريج في النزول ـ يتقدر بقدره ويتحدد بحده ، فهذا على وجه العموم ، وقد ورد بالخصوص أيضا أمثال قوله تعالى : ( وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج ) الزمر ـ ٦ ، وقوله تعالى : ( وأنزلنا الحديد ) الحديد ـ ٢٥ ، وقوله تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) الذاريات ـ ٢٢ ، على ما سيجئ من توضيح معناها إنشاء الله العزيز ، فكل شئ نازل إلى الدنيا من عند الله سبحانه ، وقد أفاد في كلامه : أن الكل راجع إليه سبحانه ، فقال : ( وان إلى ربك المنتهى ) النجم ـ ٤٢ ، وقال تعالى : ( إلى ربك الرجعى ) العلق ـ ٨ ، قال : ( وإليه المصير ) المؤمن ـ ٣ ، وقال تعالى : ( ألا إلى الله تصير الامور ) الشورى ـ ٥٣ ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وأفاد : أن الاشياء ـ وهي بين بدئها وعودها ـ تجري على ما يستدعيه بدؤها ، ويحكم به حظها من السعادة والشقاء ، والخير والشر ، فقال تعالى : ( كل يعمل على شاكلته ) أسراء ـ ٨٤ ، وقال : ( ولكل وجهة هو موليها ) البقرة ـ ١٤٨ ، وسيجئ توضيح دلالتها جميعا ، والغرض هيهنا مجرد الاشارة إلى ما يتم به البحث ،