رابعاً : أنّا تجاوزنا التحديد الموروث تأريخياً للمسائل الاصولية ، وأبرزنا ما استجدَّ من مسائل وأعطيناها عناوينها المناسبة. وأمّا بالنسبة إلى التصنيف الموروث للمسائل الاصولية إلى مجموعتين ، وهما : مباحث الألفاظ والأدلة العقلية فلم نجد مبرّراً للعدول عن التصنيف الثنائي إلى مجموعتين إلى تصنيف آخر ، ولكن أدخلنا تعديلاً عليه بجعل المجموعتين هما : مباحث الأدلّة ، ومباحث الاصول العملية ، ثمّ صنّفنا المجموعة الاولى إلى الدليل الشرعيّ والدليل العقلي ، وقسَّمنا الكلام في الدليل الشرعيّ إلى البحث في الدلالة ، والبحث في السند ، والبحث في حجية الظهور ، كلّ ذلك من أجل تقريب التصنيف الاصولي للمسائل إلى واقع عملية الاستنباط وما يقع فيها من تصنيفٍ للمواقف ، فكما أنّ عملية الاستنباط تشتمل على مرحلتين مترتبتين ، وهما : الأدلّة والاصول كذلك البحث في علم الاصول يصنَّف إلى هذين الصنفين. وكما أنّ الفقيه في مجال الأدلّة : تارةً يستدلّ بالدليل الشرعي ، واخرى بالدليل العقلي كذلك علم الاصول يبحث الأدلة الشرعية تارةً ، والأدلة العقلية اخرى. وكما أنّ الفقيه حين يواجه دليلاً شرعياً يتكلّم عنه دلالةً وسنداً وجهةً كذلك علم الاصول يبحث الجهات الثلاث في الدليل الشرعي. وهذا الحرص على تطبيق التصنيف الاصولي للقواعد على عملية الاستنباط قد لا يكون له مغزىً من الناحية الفنية البحتة ، ولكنّه مهمّ من الناحية التربوية ، وجعل الطالب مأنوس الذهن بالقواعد الاصولية بمواقعها المحدّدة في عملية الاستنباط ، وهذا يمتاز على التصنيف الثنائي المشهور ، ويمتاز على التصنيف الرباعيّ الذي اقترحه المحقّق الإصفهانيّ وسار عليه كتاب ( اصول الفقه ) ، إذ في كلا التصنيفين تُفصَل حجّية الظهور وحجّية السند عن أبحاث الدلالة ، بينما الجهات الثلاث متلاحمة مترابطة في عملية الاستنباط ، فلكي يوحي التصنيف بصورةٍ للقواعد الاصولية تتّفق مع مواقعها في عملية الاستنباط لابدّ من اتّباع ما ذكرناه.
خامساً : أنّا لاحظنا في استعراضنا لآحاد المسائل ـ ضمن التصنيف المذكور الابتداء بالبسيط ، والانتهاء إلى المعقّد والتدرّج في عرضها حسب درجات تعقيداتها وترابطاتها ، وحرصنا على أن لا نعرض مسألةً إلاّبعد أن نكون قد استوفينا مسبقاً