وأمّا كيف أصبح ذكر الكلمة بدون قيدٍ في الكلام دليلاً على الشمول؟ وما هو مصدر هذه الدلالة؟ فهذا ما لا يمكن تفصيل الكلام فيه على مستوى هذه الحلقة.
ولكن نقول على نحو الإيجاز : إنّ ظاهر حال المتكلِّم حينما يكون له مرامٌ في نفسه يدفعه إلى الكلام أن يكون في مقام بيان تمام ذلك المرام ، فإذا قال : « أكرم الجار » وكان مرامه الجار المسلم خاصّةً لم يكتفِ بما قال ، بل يردفه عادةً بما يدلّ على قيد الإسلام ، وفي كلّ حالةٍ لا يأتي بما يدلّ على القيد نعرف أنّ هذا القيد غير داخلٍ في مرامه ، إذ لو كان داخلاً في مرامه ومع هذا سكتَ عنه لكان ذلك على خلاف ظاهر حاله القاضي بأ نّه في مقام بيان تمام المراد بالكلام ، فبهذا الاستدلال نستكشف الإطلاق من السكوت وعدم ذكر القيد ، ويعبّر عن ذلك بقرينة الحكمة.
أدوات العموم مثالها « كلّ » في قولنا : « احترِمْ كلَّ عادل » ؛ وذلك أنّ الآمر حين يريد أن يدلِّل على شمول حكمه وعمومه قد يكتفي بالإطلاق وذكر الكلمة بدون قيدٍ ـ كما شرحناه آنفاً ـ فيقول : « أكرم الجار » ، وقد يريد مزيداً من التأكيد على العموم والشمول فيأتي بأداةٍ خاصّةٍ للدلالة على ذلك ، فيقول في المثال المتقدّم مثلاً : « أكرم كلّ جار » ، فيفهم السامع من ذلك مزيداً من التأكيد على العموم والشمول ، ولهذا تعتبر كلمة « كلّ » من أدوات العموم ؛ لأنّها موضوعة في اللغة لذلك ، ويسمّى اللفظ الذي دلّت الأداة على عمومه « عامّاً » ، ويعبَّر عنه بـ « مدخول الأداة » ؛ لأنّ أداة العموم دخلت عليه وعمّمته.