ولأجل هذا يعدّ الجمع بهذا النحو مصالحة بين الخصمين عند العرف ، وقد وقع التعبّد به في بعض النصوص أيضا ، فظهر ممّا ذكرنا : أنّ الجمع في أدلّة الأحكام بالنحو المتقدّم من تأويل كليهما لا أولويّة له أصلا على طرح أحدهما والأخذ بالآخر ، بل الأمر بالعكس ، وأمّا الجمع بين البيّنات في حقوق الناس ، فهو وإن كان لا أولويّة فيه على طرح أحدهما بحسب أدلّة حجيّة البيّنة ، لأنّها تدلّ على وجوب الأخذ بكلّ منهما في تمام مضمونه ، فلا فرق في مخالفتهما بين الأخذ لا بكلّ منهما ، بل بأحدهما أو بكلّ منهما ، لا في تمام مضمونه بل في بعضه.
إلّا أنّ ما ذكره من الاعتبار لعلّه يكون مرجّحا للثاني على الأوّل.
____________________________________
لأنّ الشبهة موضوعيّة ، أي : لا نعرف المالك منهما ولا نعرف الصادق من البيّنتين ، وطرح أحدهما باختيار المترافعين نقض للغرض ، أعني : فصل الخصومة فبقي الجمع العملي.
ولأجل هذا يعدّ الجمع بهذا النحو مصالحة بين الخصمين عند العرف حيث يدفع نصف المال لغير مالكه عوض الصلح. هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل.
والوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : وقد وقع التعبّد به أي : بالتبعيض في بعض النصوص أيضا على ما يأتي فظهر ممّا ذكرنا : أنّ الجمع في أدلّة الأحكام بالنحو المتقدّم من الجمع الدلالي وتأويل كليهما لا أولويّة له أصلا أي : لا بملاحظة دليل حجيّة السند ولا بملاحظة الدليل الخارجي على طرح أحدهما والأخذ بالآخر ، بل الأمر بالعكس أي : أولويّة الطرح على الجمع ، وقد عرفت أنّ الجمع العملي فيما يمكن ممّا لا يرضى به الشارع.
وأمّا الجمع بين البيّنات في حقوق الناس ، فهو وإن كان لا أولويّة فيه على طرح أحدهما بحسب أدلّة حجيّة البيّنة ، لأنّها تدلّ على وجوب الأخذ بكلّ منهما في تمام مضمونه ، فلا فرق في مخالفتهما بين الأخذ لا بكلّ منهما ، بل بأحدهما أو بكلّ منهما ، لا في تمام مضمونه بل في بعضه.
وملخّص الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّه لا بدّ من مخالفة دليل الحجيّة ؛ إمّا بطرح تمام أحدهما ، وإمّا بطرح بعض كلّ منهما ، ولا أولويّة لأحدهما على الآخر إلّا إنّ الدليل الخارجي وهو الوجهان المتقدّمان يرجّحان الثاني على ما في شرح الاعتمادي ، كما قال : إنّ ما ذكره من الاعتبار أي : الجمع بن الحقّين لعلّه يكون مرجّحا للثاني على الأوّل.