ذلك الأمر في القطعة الاولى من الزمان ، والأصل بقاؤه ـ عند الشكّ ـ على العدم الأزلي الذي لم يعلم انقلابه إلى الوجود ، إلّا في القطعة السابقة من الزمان.
قال في تقريب ما ذكره من تعارض الاستصحابين :
«إنّه إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة وعلم أنّه واجب إلى الزوال ، ولم يعلم وجوبه فيما بعده ، فنقول : كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة ـ وفيه ـ إلى الزوال وبعده معلوما قبل ورود أمر الشارع ، وعلم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة ، وعلم ارتفاعه والتكليف بالجلوس فيه قبل الزوال ، وصار بعده موضع الشكّ. فهنا شكّ ويقينان ، وليس إبقاء حكم أحد اليقينين أولى من إبقاء حكم الآخر.
فإن قلت : يحكم ببقاء اليقين المتصل بالشكّ ، وهو اليقين بالجلوس.
____________________________________
(ومعارضته) ، أي : معارضته استصحاب عدم وجوب الجلوس (مع استصحاب وجوده) ، أي : وجوب الجلوس بعد زوال يوم الجمعة.
إذ حينئذ كما يجري استصحاب عدم وجوب الجلوس كذلك يجري استصحاب وجوب الجلوس فيتعارضان ، فإنّ مقتضى استصحاب وجوب الجلوس الثابت قبل زوال يوم الجمعة هو وجوب الجلوس بعد الزوال أيضا ، ومقتضى استصحاب عدم وجوب الجلوس الأزلي ـ الذي لم يعلم بانقلابه إلى الوجود إلّا يوم الجمعة إلى الزوال لا بعد الزوال ـ هو عدم وجوبه بعد الزوال أيضا ، فهنا شكّ واحد وهو الشكّ في وجوب الجلوس بعد الزوال مسبوق بيقينين :
أحدهما : اليقين بوجوب الجلوس قبل الزوال.
ثانيهما : اليقين بعدم وجوب الجلوس في الأزل قبل الجمعة. ولا ترجيح لأحد اليقينين على الآخر ، ومقتضى عدم الترجيح هو ما عرفت من الأصلين المتعارضين.
قوله : (فإن قلت : يحكم ببقاء اليقين المتصل بالشكّ ، وهو اليقين بالجلوس) دفع لما يتوهّم من ترجيح أحد اليقينين على الآخر ، والمرجّح هو الاتصال ، فيحكم ببقاء ما هو المتيقّن باليقين المتصل بالشكّ وهو اليقين بالجلوس يوم الجمعة حيث يكون متصلا مع الشكّ في وجوبه بعد الزوال.
وهذا بخلاف اليقين الأوّل وهو اليقين بعدم وجوب الجلوس في الأزل قبل الأمر