نعم ، يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعيّة بأنّ إجراءها في موردها ـ أعني : صورة الشكّ في بقاء الحكم الشرعي السابق ، كنجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ـ مختصّ بالمجتهد وليس وظيفة للمقلّد. فهي ممّا يحتاج إليه المجتهد فقط ولا ينفع للمقلّد. وهذا من خواصّ المسألة الاصوليّة ، فإنّ المسائل الاصوليّة لمّا مهّدت للاجتهاد واستنباط الأحكام من الأدلّة اختصّ التكلّم فيها بالمستنبط ، ولا حظّ لغيره فيها.
فإن قلت : إنّ اختصاص هذه المسألة بالمجتهد ، لأجل أنّ موضوعها ـ وهو الشكّ في الحكم الشرعي وعدم قيام الدليل الاجتهادي عليه ـ لا يتشخّص إلّا للمجتهد ، وإلّا فمضمونه ـ وهو العمل على طبق الحالة السابقة وترتيب آثارها ـ مشترك بين المجتهد والمقلّد.
____________________________________
ثمّ أشار المصنّف قدسسره إلى الاحتمال الثاني ـ وهو أن يكون الاستصحاب من المسائل الاصوليّة ـ بقوله :
(نعم ، يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعيّة).
وحاصل الإشكال : إنّ الاستصحاب نظرا إلى أنّ البحث فيه بحث عن مفاد السنّة لا عن عوارضها ، وإن لم يكن من المسائل الاصوليّة ، إلّا أنّه من المسائل الاصوليّة نظرا إلى أنّ إجراءه في الشبهات الحكميّة وظيفة المجتهد فقط ، وقد عرفت في بيان مناط كون المسألة اصوليّة أنّ المناط لا ينحصر في أن يكون البحث فيها عن عوارض الموضوع ، بل أن يكون البحث فيها من خواصّ المجتهد ، وهذا المناط موجود في الاستصحاب أيضا ، لأنّ المجتهد هو الذي يتفحّص عن الدليل ، ثمّ يتمسّك بالاستصحاب عند اليأس عنه ، والمطلب واضح في المتن من دون حاجة إلى تكلّف البيان ، فراجع.
(فإن قلت : إنّ اختصاص هذه المسألة بالمجتهد ، لأجل أنّ موضوعها ـ وهو الشكّ في الحكم الشرعي وعدم قيام الدليل الاجتهادي عليه ـ لا يتشخّص إلّا للمجتهد ... إلى آخره).
وحاصل الإشكال : إنّ مسألة الاستصحاب من حيث تشخيص موضوعها وإن كانت مختصّة بالمجتهد ، إلّا أنّ مضمون الاستصحاب بعد تشخيص الموضوع ليس مختصّا بالمجتهد ، فالعمل على طبق الحالة السابقة مشترك بين المجتهد وغيره ، وهذا المقدار من الاختصاص لا يكفي في كون المسألة اصوليّة لكي تكون مسألة الاستصحاب اصوليّة.