حكمين ، فإن اريد بإعمال الأصل في نفي أحدهما إثبات الآخر ، ففيه :
إنّ مفاد أدلّة أصل البراءة مجرّد نفي التكليف دون إثباته ، وإن كان الإثبات لازما واقعيّا لذلك النفي ، فإنّ الأحكام الظاهريّة إنّما تثبت بمقدار مدلول أدلّتها ولا يتعدّى إلى أزيد منه بمجرّد ثبوت الملازمة الواقعيّة بينه وبين ما ثبت ، إلّا أن يكون الحكم الظاهري الثابت بالأصل موضوعا لذلك الحكم الآخر ، كما ذكرنا في مثال براءة الذمّة عن الدّين والحجّ ، وسيجيء توضيح ذلك في باب تعارض الاستصحابين.
____________________________________
(وإن كان على الوجه الثاني)
بأن يكون ترتّب الحكم الإلزامي على الأصل من جهة الملازمة الناشئة من العلم الإجمالي ، كالعلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين ، هذا هو المقصود من قوله : (وإن كان على الوجه الثاني الراجع إلى وجود العلم الإجمالي بثبوت حكم مردّد بين حكمين) إلّا أنّ عبارة المصنّف قدسسره قاصرة لعدم شمولها الإناءين المشتبهين لكونهما من قبيل دوران الأمر في حكم بين عروضه لأحد موضوعين ، وحينئذ فلو قال بثبوت حكم مردّد بين موضوعين كان أولى ، كما في الأوثق بتصرّف.
(فإن اريد بإعمال الأصل في نفي أحدهما إثبات الآخر).
بأن يراد من إجراء أصالة عدم تقدّم الكرّيّة على الملاقاة إثبات تقدّم الملاقاة عليها ووجوب الاجتناب عن الماء ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.
(ففيه : إنّ مفاد أدلّة أصل البراءة) وكذلك أصل العدم (مجرّد نفي التكليف دون إثباته) أي : التكليف من جهة اخرى ، فكلام الفاضل التوني قدسسره صحيح في هذا الفرض ، لأنّ إثبات التكليف من جهة اخرى لازم عقلي للأصل فيكون مثبتا وليس بحجّة ، كما أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(فإنّ الأحكام الظاهريّة إنّما تثبت بمقدار مدلول أدلّتها).
ومن المعلوم أنّ مدلول أدلّة أصل البراءة هو نفي التكليف فقط دون إثباته من جهة اخرى ، وهذا بخلاف الطرق والأمارات حيث مثبتاتها ولوازمها العقليّة حجّة. فلو قامت البيّنة على عدم تقدّم الكرّيّة تثبت بها بنجاسة الماء ، ولا تثبت بأصالة العدم (إلّا أن يكون الحكم الظاهري الثابت بالأصل موضوعا لذلك الحكم الآخر) فيترتّب الحكم الآخر على