ذكره لصرف المقدمة لما بعده ، وهو ايضا بعيد مخالف لشأن نزول الآية وقول المفسرين. (١)
لانا نقول : أوّلا : أن هذا المعنى اي النهي عن النفر العام للجهاد متفرع على أن الآية واردة في النفر للجهاد ، وقد عرفت انه لا معين لذلك ، ومجرد كون السورة والآيات السابقة أو اللاحقة مرتبطة بالجهاد لا يكفي في تعيين هذا المعنى ، بل لعل وجه ذكر هذه الآية في هذا الموضع هو تنبيه المسلمين بلزوم تعلم احكام الجهاد كما افاد بعض الاعلام. وكيف كان لا اجد رواية صحيحة تدل على أن المراد من قوله (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ) هو النهي عن النفر العام للجهاد ، بل قوله (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ، يشهد بكون الصدر في النفر للتفقه.
وثانيا : أن لازم ما ذكر هو أن يكون قوله (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) دالّا على أن النفر للجهاد.
وعليه ففي قوله (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) احتمالان :
احدهما : لزوم تفقه الفرقة الباقية مع النبي صلىاللهعليهوآله وتعلمهم للاحكام والآداب منه صلىاللهعليهوآله ، فاذا رجعت الطائفة النافرة تنذرهم الفرقة الباقية ببيان ما نزل من الآيات في غيابهم ويعلّمونهم السنن والفرائض التي تلقوها في غيابهم.
وثانيهما : لزوم تفقه الفرقة النافرة في الدين بما رأت من آيات الله وحصل لهم بذلك بصيرة في الدين بظهور المسلمين وغلبتهم مع قلّتهم على المشركين ونصرتهم على اعدائهم ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم.
وكلاهما خلاف الظاهر :
اما الأوّل : فلما مرّ من أن الضمير في قوله ليتفقهوا ولينذروا راجع الى الطائفة النافرة ، لا الفرقة الباقية ؛ لانها اقرب اليه منها.
وأما الثاني : فهو وإن كان خاليا عن الاشكال المذكور ؛ لانّ الضمير فيه راجع الى الفرقة
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.