الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بيان
ربما يستدل على البراءة بالعقل والمراد منه هو حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف بعد الفحص واليأس عن الظفر بما يكون حجة عليه وهذا هي البراءة العقلية استدل بها الشيخ الأعظم وصاحب الكفاية ومن تبعهما قدّس الله أرواحهم واستشهد له الشيخ الأعظم قدسسره بحكم العقلاء كافة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه أصلا بتحريمه. (١)
واستشهد له صاحب الكفاية قدسسره بالوجدان حيث قال إنّ العقوبة والمؤاخذة بدون إقامة الحجة عقاب بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان وهما قبيحان بشهادة الوجدان. (٢)
وقد قرّب المحقق الأصفهاني قدسسره هذه القاعدة بأنّها حكم عقلي عملي بملاك التحسين والتقبيح العقليين ومأخوذ من الأحكام العقلائية التي حقيقتها ما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظا للنظام وإبقاء للنوع وهي المسماة بالقضايا المشهورة ومن الواضح ان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ليس حكما عقليا عمليا منفردا عن سائر الأحكام العقلية العملية بل هو من أفراد حكم العقل بقبح الظلم عند العقلاء نظرا إلى أنّ مخالفة ما قامت عليه الحجة خروج عن زيّ الرقيّة ورسم العبودية وهو ظلم من العبد إلى مولاه فيستحق منه الذم والعقاب كما أنّ مخالفته ما لم تقم عليه الحجة ليست من أفراد الظلم إذ ليس من زيّ الرقيّة أن لا يخالف العبد مولاه في الواقع وفي نفس الأمر فليس مخالفته ما لم تقم عليه الحجة خروجا عن زيّ الرقيّة حتى يكون ظلما وحينئذ فالعقوبة عليه ظلم من المولى إلى عبده إذ الذم على ما لا يذم عليه والعقوبة على ما لا يوجب العقوبة عدوان محض وإيذاء بحت بلا موجب عقلائي فهو ظلم والظلم بنوعه يؤدي إلى فساد النوع واختلال النظام وهو قبيح من كل أحد بالإضافة إلى كل أحد ولو من المولى إلى عبده.
__________________
(١) فرائد الاصول : ٢٠٣.
(٢) الكفاية ٢ : ١٧٩.