كثر المحدثون الذين كان من شأنهم ضبط ما سمعوا وحكايته فقط من غير أن يعملوا النظر في استفادة حكم الله عنه ؛ فان ذلك كان متوقفا على مقدمات من لحاظ المقيدات والمخصصات وسائر الجهات وأن كان تحصيل المقدمات في اعصارهم في غاية السهولة بالنسبة الى زماننا ... الى أن قال : وبالجملة فالاستدلال بالآية على حجية الرواية بما هي رواية مشكل. (١)
وذلك لما عرفت من أن المراد من التفقه هو معناه اللغوي وهو الفهم والعلم ، وهذا المعنى يصدق على الراوي العالم بمداليل الاخبار وأن لم يكن فقيها اصطلاحا. نعم هذا المعنى له عرض عريض يشمل الفقيه الاصطلاحي ايضا اذا انذر بما اجتهد كما يشمل المحدث اذا انذر بما دل عليه الخبر ، ولا مانع من ذلك. وبالجملة فالآية تدل على حجية قول العالم بمفاد الخبر سواء كان مجتهدا أو لم يكن ، فتدبّر جيّدا.
لا يقال : أن الآية الكريمة ليست ظاهرة في وجوب النفر حتى يترتب عليه وجوب التحذر ؛ فان صدر الآية اعني قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يعطي أن الغرض المسوق له الكلام هو النهي عن النفر العمومي وانه لا يسوغ للمؤمنين أن ينفروا كافة وابقاء رسول الله صلىاللهعليهوآله وحيدا فريدا ، وعلى ذلك فيصير المآل من الآية هو النهي عن النفر العام لا ايجاب النفر للبعض ، فالحث انما هو على لزوم التجزية وعدم النفر العام لا على نفر طائفة من كل فرقة للتفقه ... الى أن قال : وعدم الاكتفاء على الجملة الاولى يمكن أن يكون لدفع ما ربما ينقدح في الاذهان من بقاء سائر الطوائف على جهالتهم وعدم تفقههم في الدين ، فقال عزّ شأنه : يكفي لذلك تفقه طائفة ، فليست الآية في مقام بيان وجوب النفر ، بل في مقام بيان لزوم التفرقة بين الطوائف ، وقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ) اخبار في مقام الانشاء ولو بقرينة شأن نزولها كما قال المفسرون ، وليس المراد بيان امر واضح ؛ [إذ] لم يختلج ببال احد لزوم نفر جميع الناس في جميع الادوار الى طلب العلم والتفقه حتى لزم التنبيه به ، إلّا أن يحمل
__________________
(١) نهاية الاصول : ص ٥٠٣ ـ ٥٠٤.