ولا يخفى أن هذا الوجه في الحقيقة توجيه آخر لكون الأمر في هذه الطائفة للإرشاد كأنه قال قف عند الشبهات فإنه ربما يكون المحتمل فيها موجبا للخطر فتحصل أن الأمر بالتوقف إن كان مولويا والموضوع عاما كان الدليل الدال على التوقف محكوما لأدلة البراءة عقلية كانت أو نقلية إذ موضوع الأمر بالتوقف هو التوقف عن الاقتحام في الهلكة ولا هلكة بعد دلالة العقل والنقل على البراءة وأيضا إن كان الأمر بالتوقف مولويا ولكن الموضوع مختص بالفاعل الغير المعذور فلا منافاة بين دليل التوقف وأدلة البراءة لتغاير موضوعهما كما لا يخفى.
وهكذا لا منافاة بينهما إذا كان الأمر بالتوقف إرشاديا أو محمولا على مطلق الرجحان وبالجملة فلا دلالة لهذه الطائفة من الأخبار على منجزية الاحتمال ووجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة.
الطائفة الثانية : الاخبار الآمرة بالاحتياط وهي كثيرة
منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليهالسلام الواردة في رجلين أصابا صيدا وهما محرمان فلم يدريا أن الجزاء بينهما أو أن على كل منهما جزاء مستقلا قال لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد قلت إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال عليهالسلام إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا. (١)
وتقريب الاستدلال مبني على إرجاع قوله عليهالسلام «إذا أصبتم مثل هذا» إلى نفس واقعة الصيد والشك في حكمها إذ من المعلوم أن الأمر بالاحتياط حينئذ يكون في الشبهة الحكمية وحيث إنّ الجواب المذكور أي وجوب الاحتياط مفروض في موضوع مثل هذا يعلم أن خصوصية صيد المحرم لا دخل لها في وجوب الاحتياط وأجاب عنه الشيخ الأعظم بأن ظاهر الرواية التمكن من استعلام حكم الواقعة بالسئوال والتعليم فيما بعد ولا مضايقة عن
__________________
(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ١.