لا الموجبة الكلية إلّا أنّ تغيّر ذلك البعض من ناحية عدم تمامية المقدمات المقررة لكشف المراد ، لا من ناحية دخالة ذهنية المخاطب ، فتدبر جيدا.
ثم ربما يقال : إنّ المقصود مما ذكروه من أنّ القراءات مختلفة ليس أنّها كلها صحيحة ، بل بعضها صحيح وبعضها باطل ، إلّا أنّ اللازم في تعيين الصحيح عن غيره هو تجريد المخاطب ذهنه عما يحوطه من المناسبات والمأنوسات حتى يصل إلى المعنى الصحيح من الكلام ، وإلّا فحمل الكلام على ما يعرفه من المناسبات كما ترى.
قلت : هو كذلك ، ولكن لازمه هو الاجتناب عن الظنون الشخصيّة لا الأخذ بها ؛ إذا التخلية عن المناسبات والظنون الشخصيّة توجب الأخذ بالظنون النوعيّة لتحصيل مرادات المتكلم ، فإن كان مرادهم مما ذكروه هو ذلك فهو أمر بنى عليه العقلاء والعلماء في استظهاراتهم في جميع الأزمنة ، وليس أمرا خفيا حتى يحتاج إلى التذكار.
ثم لا يذهب عليك أنّا لا ننكر اختلاف المشارب والمذاهب وتمسكهم مع ذلك بالآيات الكريمة والنصوص الشرعية ، ولكن نقول : كل مشرب ومذهب وإن تمسك بالنصوص والآيات من جهة إثبات مرامه غير أنّ هذا التمسك والاستدلال لا يكون صحيحا إلّا إذا كان التمسك بظهورات نوعيّة ومستفادة منها ، وإلّا فهو تفسير بالرأي وأخذ بالظن الشخصيّ ، ولا حجيّة له ، بل هو منهي عنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وبقيّة الكلام في محله.
الأمر الثالث :
أنّه لا فرق في حجيّة الظهورات بين المحاورات العرفيّة وبين النقليّة الشرعيّة ، ولا فرق في النقلية الشرعيّة بين الظهورات القرآنية وبين الأحاديث المرويّة عن سيد المرسلين أو الأئمة الطاهرين عليهم الصلاة والسلام ، لعموم دليل الحجيّة ، وهو بناء العقلاء ، وعدم اختراع الشارع طريقا آخر ، فلا وجه للتفرقة بينهما ، فالظهورات الكلامية كما تكون حاكية عن المرادات في المحاورات العرفيّة ، فكذلك تكون في كلام الله سبحانه وتعالى ورسوله وأوصيائه عليهم الصلاة والسلام من دون فرق بين الكتاب وغيره.