العالية من التقوى والورع والضبط ولكن لا يعرف في حقهم الوضع والدس والكذب.
ولا اشكال أن روايات مثل هذه الطائفة لم يكن يحصل منها العلم أو الاطمئنان ، والفقهاء وأصحاب الأئمة عليهمالسلام كانوا يواجهون هذه الروايات في أكثر المسائل الفقهية ؛ لانّ الأحاديث هي أساس الفقه وعماده عند جميع المذاهب الفقهية الاسلامية ، فلا بد لهم من موقف تجاهها ، ولا يحتمل أن يكون موقفهم تجاهها الرفض من دون استعلام حالها عن الامام عليهالسلام ؛ إذ كيف يمكن افتراض ذلك مع أن العمل بخبر الثقة إن لم يكن عقلائيا فلا أقل أنه ليس مرفوضا عقلائيا ، فكيف يفرض عدم استعلام حال حجيته منهم مع كون الشبهة حكمية بل ام الشبهات التي يقوم عليها عماد الفقه ، كما لا يحتمل أنهم رفضوها بعد استعلام حالها عن المعصومين عليهمالسلام ؛ اذ كيف يمكن فرض ذلك مع عدم حصول رواية على المنع ، بل ما وصل إمّا دال على الحجية أو مناسب معها قابل للحمل عليها ، بل أساسا احتمال رفض العمل بهذه الأخبار غير وارد للقطع بعملهم بها ... الى أن قال : فانّ ذلك يكشف عن السنة المتمثلة في تقرير المعصوم لعمل أصحابه أو بيان موافق صادر منه اليهم.
وأما احتمال أنهم قد عملوا بها لحصول العلم أو الاطمئنان لهم فهو بعيد ، بل مما يقطع بعدمه. (١)
ثمّ إنّ نفس انعقاد سيرة المتشرعة كما أفاد الشهيد الصدر قدسسره دليل قطعي على عدم شمول عمومات النهي عن اتّباع الظن للعمل بخبر الثقة. (٢)
التنبيه الثالث :
أنه لا يخفى وقوع التعبد بالخبر الواحد بعد ما عرفت من الأخبار الكثيرة الدالة على حجية قول الثقات ، ولكن ربما يمنع ذلك ويقال : أن وثاقة الشخص بمعنى تحرزه من الكذب تارة تحرز بالوجدان بواسطة المعاشرة أو بواسطة شهادة من يطمأن بشهادته وإصابتها
__________________
(١) مباحث الحجج : ج ١ ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧.
(٢) مباحث الحجج : ج ١ ص ٣٩٧.