ولا مجال لملاحظة المرجحات الواردة في الأخبار العلاجية ؛ لاختصاصها بالأخبار المتعارضة. نعم يؤخذ بالقدر المتيقن من القراءات أو القراءتين لو كان كما يؤخذ بها أو بهما في نفي الثالث ، كما لا يخفى.
التنبيه الثالث :
أنّه قد يتوهم وقوع التحريف في الكتاب حسب ما ورد في بعض الأخبار ، ومعه يحتمل وجود القرينة على إرادة خلاف الظاهر فيما سقط منه بالتحريف ، وهو يوجب عروض الإجمال المانع من التمسك به ؛ لأنّه يكون من باب احتمال قرينيّة الموجود ، لا من باب احتمال وجود القرينة ليدفع بأصالة عدم وجود القرينة.
واجيب عن ذلك أوّلا : بأنّ تلك المزعمة أمر موهوم لا حقيقة له ، بل هو محال وقوعا ؛ إذ القرآن قد بلغ من الأهميّة عند المسلمين في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله وبعده إلى مرتبة حفظته الصدور زائدة على الكتابة بحيث لا يمكن تحريفه حتى عن الصدور الحافظة له.
ولقد أفاد وأجاد في آلاء الرحمن حيث قال : لم يزل القرآن الكريم بحسب حكمة الوحي والتشريع والمصالح المقتضيات المتجددة آناً فآنا يتدرج في نزوله نجوما الآية والآيتان والأكثر والسورة ، وكلّما نزل هفت إليه قلوب المسلمين وانشرحت له صدورهم وذهبوا إلى حفظه بأحسن الرغبة والشوق وأكمل الإقبال وأشدّ الارتياح ، فتلقوه بالابتهاج وتلقوه بالاغتنام من تلاوة الرسول العظيم الصادع بأمر الله والمسارع إلى التبليغ والدعوة إلى الله وقرآنه ، وتناوله حفظهم ؛ بما امتازت به العرب وعرفوا به من قوة الحافظة الفطرية وأثبتوه في قلوبهم كالنقش في الحجر ، وكان شعار الإسلام وسمة المسلم حينئذ هو التجمّل والتكمّل بحفظ ما ينزل من القرآن الكريم لكي يتبصّر بحججه ويتنوّر بمعارفه وشرائعه وأخلاقه الفاضلة وتاريخه المجيد وحكمته الباهرة وأدبه العربي الفائق المعجز ، فاتخذ المسلمون تلاوته لهم حجة الدعوة ومعجز البلاغة ولسان العبادة لله ولهجة ذكره وترجمان مناجاته وأنيس الخلوة وترويج النفس ودرسا للكمال وتمرينا في التهذيب وسلّما للترقي وتدربا في