وجوب تجريد الموضوع عن جميع الخصوصيات ، محتاج الى الدليل ، ولا دليل له إلّا الاستظهار العرفي بحسب اختلاف الموضوعات واهميتها ، فلا تغفل.
هذا ، مضافا الى أن الوجه الثالث غير بعيد ؛ فان مفاده يرجع الى أن الجائي بالخبر إن كان فاسقا فيجب التبين وإن لم يكن كذلك فلا يجب ، ولا يضر كون المجيء من قيود النبأ ؛ فان المجيء بما هو المجيء يكون من قيوده. وأما خصوصية كونه من فاسق فهو مما يفيده الشرط ، وعليه فالموضوع على الوجه الثالث هو مجرد النبأ المجيء به ، وهو أعم ، فتدبّر جيدا.
لا يقال : التحقيق أن تجريد النبأ عن الاضافة الى الفاسق لا يخرج المعلق عليه عن كونه محققا للموضوع ؛ اذ لا حقيقة للنبإ إلّا بصدوره من مخبر ، وكون المعلق عليه ذا بدل لا يخرجه عن كونه محققا للموضوع ؛ فانّ المناط انتفاء الموضوع بانتفاء المعلق عليه. ومن الواضح انتفاء النبأ بانتفاء مجيء الفاسق والعادل ، بخلاف مثل أن جاءك زيد فأكرمه ؛ فان زيدا محفوظ ولو مع انتفاء المجيء وانتفاء كل ما يفرض بدلا للمجيء. (١)
لأنا نقول : الظاهر هو الخلط بين القضية الحقيقية والقضية الخارجية ، وما ذكره لا يتم في الاولى ؛ فان المقصود إن كان أن النبأ لا يتحقق في الخارج من دون مخبر فلا كلام فيه ، ولكن يمكن مع ذلك ملاحظة طبيعة النبأ في الذهن بحيث تحكي عن حصصها في الخارج ، وبيان حكم حصصها باعتبار اختلاف مخبريها بأن يقال : إن كان المخبر في النبأ فاسقا فليس نبأه حجة ، وإن كان عادلا فنبأه حجة ، كما أن الامر كذلك في مثل قولنا : السلام إن كان من مؤمن فجوابه واجب ؛ فان مفهومه انه إن كان من كافر فلا يجب ، مع أن السلام لا حقيقة له إلّا بصدوره من المتكلم في الخارج.
ولكن ذلك لا ينافي امكان ملاحظة الموضوع بنحو القضية الحقيقية مستقلا عند اعتبار القضية ، ومعنى استقلاله هو انه اعم ، ومع كونه اعم فمفهومه هو انتفاء الحكم بانتفاء حصة من الموضوع الملحوظ مستقلا ؛ لظهور الشرط في كونه علة منحصرة للحكم المعلق عليه ، كما لا يخفى.
__________________
(١) نهاية الدراية : ٢ : ٧٦.