وقال ابن اسحاق : بلغني عن عدي بن حاتم أنه كان يقول : كنت ركوسيّا من النصارى (١) فكنت في نفسي على دين! وكنت امرأ شريفا وملكا في قومي يعطونني المرباع (٢) فلما سمعت برسول الله صلىاللهعليهوآله كرهته فما كان رجل من العرب أشد كراهية لرسول الله منّي!.
وكان لي غلام عربي يرعى ابلي ، فقلت له : أعدد لي من ابلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا منّي ، فاذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ، ففعل.
وأتاني ذات غداة فقال : اذا غشتك خيل محمّد ما كنت صانعا فاصنعه الآن؟ فاني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمّد. فقلت له : فقرّب جمالي ، فقرّبها.
فاحتملت بأهلي وولدي ، وخلّفت اختي [سفانة] في الحيّ ، وسلكت طريق الشام لألحق بأهل ديني من النصارى (٣).
وسلك بهم دليلهم حريث على طريق فيد (الى جبال طيّء : أجا وسلمى) حتى انتهى بهم الى موضع بينه وبينهم مسيرة يوم ، فقال لهم : نقيم يومنا هذا في موضعنا هذا حتى نمسي ، وانّا إن سرناه بالنهار لقينا رعاءهم وأطرافهم فينذرون فيتفرقون ، بل نسري ليلتنا على متون الخيل حتى نصبّحهم في عماية الصبح فنجعلها عليهم غارة فقبلوا منه الرأي فعسكروا وسرحوا الابل.
وكأن عدي بن حاتم قبل أن ينهزم قد حذر بعضهم أو أنذره ، فعمد رجل منهم من بني نبهان الى عبد له أسود يسمى أسلم فأمره أن يعمد الى ذلك الموضع فإن رأى خيل محمّد صلىاللهعليهوآله طار إليهم يخبرهم ليحذروا.
__________________
(١) كان يقال لقوم بين النصارى والصابئين : الركوسيين ، كما في هامش السيرة.
(٢) كان لقائد القوم قبل الاسلام ربع الغنائم ويقال له المرباع.
(٣) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٢٢٥.