الظلم والجور ، وسفك الدماء بغير حقها ، والزنا ، والربا ، والميتة والدم (١) وأمرنا بالعدل والاحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
فقال النجاشي : بهذا بعث الله عيسى بن مريم عليهالسلام! ثمّ قال : يا جعفر ، هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئا؟ قال : نعم ، ثمّ قرأ عليه «سورة مريم» فلمّا بلغ الى قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً).
__________________
(الأعراف : ١٥٦) وهي السورة التاسعة والثلاثون أو الأربعون في النزول ، فهي قبل سورة مريم الرابعة والأربعين الّتي تلا منها جعفر على النجاشي. نعم يدّعى أنّها آيات مدنيات في سور مكية ، لأن تشريع الزكاة لم يكن في مكّة قبل الهجرة بل في المدينة بعد الهجرة ببضع سنين ولكن لا ملازمة بين التسليم بتشريع الزكاة في المدينة وبين قبول هذه الدعوى بكون الآيات مدنية في سور مكية ، الّا اذا سلّمنا بأن الزكاة في هذه الآيات بمعنى الزكاة المفروضة دون المندوبة ، ولنا مندوحة عن قبول ذلك بترجيح تفسير الزكاة في هذه الآيات بالزكاة بالمعنى اللغوي العام أي الصدقات المستحبة المندوب إليها. وبذلك نتوسع في معنى الأمر في كلام جعفر بما يعم الندب أيضا. وبهذا نتفصّى عن الاشكال بورود الزكاة في كلام جعفر.
ولكن لا مناص عن اشكال ورود الصيام في كلامه أيضا. الّا ان ذلك لا يقودنا الى القول بأن الرواية موضوعة كما ذهب إليه أحمد أمين في فجر الإسلام : ٧٦ ، كما لا يقودنا ذلك الى الالتزام بأن الصيام قد شرع في مكّة قبل الهجرة أي قبل نزول آيتها في السنة الثانية بعد الهجرة ضمن آيات سورة البقرة. بل نحتمل السهو في حديث أمّ سلمة أو أحد الرواة ، أو أن يكون ذلك مرجّحا لكون هذه المناظرة بعد وقعة الأحزاب أو بعد بدر كما رواه الحلبي في سيرته كما مرّ ، ولكن يلازم ذلك أن نلتزم بأن التشريعات الجديدة كانت تصلهم في الحبشة كيفما كان ، وليس ذلك ببعيد.
(١) ان أوّل ما نزل من القرآن في تحريم الميتة في الآية : ١٢١ من سورة الأنعام ، وهي السورة ٥٥ في ترتيب النزول ، فيحتمل أن تكون الهجرة بعدها ، ولا نجزم به اذ فيها : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وقبلنا فيه بقول الطبرسي بأن المراد به بيان النبيّ لا القرآن.