وبين هاتين النزعتين المفرطة والمفرّطة تنجلي النمرقة الوسطى باهتمام مفكّري المسلمين وعلمائهم بالدراسات التأريخية ، وبذل الوسع لإماطة اللثام عن كثير من جوانبه الّتي بدت قائمة مشوهة بفعل الدّخلاء عليه ، ممّن جنّدوا أنفسهم لهدم الدّين وطمس معالم الحقّ والتجنّي عليه (١).
طمس معالم الحقّ :
قلنا نعرض الروايات ـ الّتي يدّعى أنّها تسجّل سيرة الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ـ على القرآن الحكيم ، ذلك لانّا لو راجعنا وصف هذا النبيّ العظيم في القرآن الكريم ، لوجدناه يصفه بأنّه : على (خُلُقٍ عَظِيمٍ)(٢) و (خاتَمَ النَّبِيِّينَ)(٣) ينهى الناس عن الاستخفاف به (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)(٤) ويلعن الّذين يؤذونه (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ)(٥).
ولكنّا لو راجعنا بعض تلك الروايات الّتي يدّعى أنّها تسجّل لنا سيرته لوجدناه فيها : طفلا كسائر الأطفال ، ورجلا يتكلّم كسائر الجهّال ، بل أضعف عقلا من سائر العقّال ، فهو بحاجة دائمة إلى من يشرف عليه ويدبّر شئونه ، ويأخذ بيده ويرشده ، ويحلّ له مشاكله ويشدّ قلبه ويطمئنه ، ويؤيّده ويساعده ، وإلّا فهو يغضب فيكون غضبه عجزا واضطرابا بل وسبابا (٦) ويرضى فيكون رضاه سخفا وميوعة!
__________________
(١) مقدمة : دراسات في التأريخ الاسلامي : ٨ ، ٩ للشيخ محمد باقر الناصري بتصرف.
(٢) القلم : ٤.
(٣) الاحزاب : ٤٠.
(٤) النور : ٦٣.
(٥) الاحزاب : ٥٧.
(٦) كما مرّ عن صحيح مسلم.