وعلي بن الحسين المسعودي البغدادي (ت ٣٤٦ ه).
ومحمّد بن محمّد بن النعمان التلعكبريّ المفيد (ت ٤١٣ ه).
الأثر الباقي في السيرة :
عرفنا أنّ الكتابة في سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله كانت قد حصلت في التابعين وتابعي التابعين ، كما رأينا قائمة أسمائهم وتواريخ وفياتهم ، ولكنّها لم تكن كثيرة ، بل هي مهما أطلنا الحديث عنها كانت قليلة جدا ، لا تعدو أن تكون صحفا فيها بعض الأخبار عن سيرة المختار صلىاللهعليهوآله.
أمّا الكتاب الّذي كتبت له الموفقية والنجاح وشهرة الاعتماد والوثوق فهو سيرة محمّد بن إسحاق ، الّتي ألّفها في أوائل أيام العباسيين.
ذكر الخطيب : أنّه دخل يوما على المنصور وبين يديه ابنه المهدي ، فقال له المنصور : أتعرف هذا يا ابن إسحاق؟ قال : نعم ، هذا ابن أمير المؤمنين : فقال : اذهب فصنّف له كتابا منذ خلق الله آدم عليهالسلام إلى يومك هذا. فذهب ابن إسحاق فصنّف له الكتاب وأتاه به فلمّا رآه قال : لقد طوّلته يا ابن إسحاق فاذهب فاختصره. فاختصره ، والقي الكتاب الكبير في خزانة الخليفة.
وفي هذا المعنى روي عن ابن عدي الرّجالي المعروف أنّه كان يقول في ابن إسحاق : «لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلّا أنّه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء للاشتغال بمغازي رسول الله صلىاللهعليهوآله ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن إسحاق ، وقد فتّشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد ما تهيّئ أن يقطع عليه بالضعف ، وربّما أخطأ واتّهم في الشيء كما يخطئ غيره.
__________________
(١) اُنظر تاريخ بغداد ١ : ٢٢١ و ٧ : ٢٤٥.