قالوا : يا محمّد! فإن كنت غير قابل منّا شيئا عرضناه عليك فسل لنفسك ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضّة تغنيك عمّا تبتغي ـ فإنّك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ـ حتّى نعرف فضلك ومنزلتك من ربّك ان كنت رسولا كما تزعم.
فقال لهم رسول الله : ما أنا بفاعل ، ما أنا بالّذي يسأل ربّه هذا وما بعثت إليكم بهذا ، ولكنّ الله بعثني بشيرا ونذيرا.
فأنزل الله في قولهم ذلك : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ...)(١).
وفيها قوله سبحانه : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)(٢).
نقل الطبرسي في «مجمع البيان» عن ابن عباس قال : نزل قوله : (يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) في عقبة بن أبي معيط وابي بن خلف الجمحي ، وكانا متخالّين ، وذلك : أن عقبة كان لا يقدم من سفر الّا صنع طعاما فدعا إليه أشراف قومه. وكان يكثر مجالسة الرسول. فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما ودعا الناس فدعا رسول الله الى طعامه.
فلمّا قرّبوا الطعام قال رسول الله : ما أنا بآكل من طعامك حتّى تشهد أن لا إله الّا الله وأنّي رسول الله. فقال عقبة : أشهد أن لا إله الّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.
__________________
(١) الدر المنثور : ٥ : ٦٢ وروى القصّة مرّة اخرى عن ابن عباس أيضا سببا لنزول الآيات : ٩٠ ـ ٩٣ من سورة الاسراء ٤ : ٢٠٢ كما سيأتي ، ورواها الطبرسي في مجمع البيان في سورة الاسراء ٦ : ٦٧٨.
(٢) الفرقان : ٢٧ ـ ٢٩.