والخبر كسوابقه إنّما ينسجم مع كون الدعوة في الشعب أو بعد الإعلان لا مع السرّ والكتمان ، ولا مع مبادأتهم بالدعوة ، بل فيه تعريض بأبي طالب وكأنه عرف بالسماع للرسول.
والسيد ابن طاوس والشيخ الصدوق قد اختصرا الخبر متنا وسندا ، وأكملهما : الشيخ الطوسي في أماليه بطريقين عن الأعمش عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عبّاس عن علي عليهالسلام قال : لمّا نزلت هذه الآية (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) على رسول الله صلىاللهعليهوآله دعاني فقال لي : يا علي ، إنّ الله تعالى أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا وعرفت أنّي متى اباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتّ على ذلك ، فجاءني جبرئيل فقال : يا محمّد انّك ان لم تفعل ما امرت به عذّبك ربّك! فاصنع لنا يا علي ـ صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّا من لبن. ثمّ اجمع لي بني عبد المطّلب حتّى اكلّمهم وابلّغهم ما امرت به.
ففعلت ما أمرني به ثمّ دعوتهم أجمع ، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا ، فيهم أعمامه : أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب ... فلمّا اجتمعوا له دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلمّا وضعته تناول رسول الله جذمة (١) من اللحم فنتفها بأسنانه ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة ثمّ قال : خذوا بسم الله. فأكل القوم حتّى صدروا ما لهم بشيء من الطعام حاجة ، وما أرى الّا مواضع أيديهم. وأيم الله الّذي نفس عليّ بيده ان كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم. ثمّ جئتهم بذلك العسّ فشربوا حتّى رووا جميعا ، وأيم الله ان كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله أن يكلّمهم بدره أبو لهب الى الكلام فقال : لشدّ ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله.
__________________
(١) الجذمة : القطعة ، وفي الطبري : حذية من اللحم : ما قطع طولا.