التي عليها معوّلهم والشيعة لا تقول إلّا بهذا المعنى من البداء المذكور في كتبهم ، فعلم أنّ تشنيعهم عليهم ناشئ من الشقاوة النفسيّة التي لا ينالها المحو والإثبات عندهم.
كما رووا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله خرج يحمل كتابين : أحدهما في يده اليمنى وفيه أسماء أهل الجنّة ، والآخر في يسراه وفيه أسماء أهل النار ، وأنّ الله تعالى قد فرغ من تسجيل ذلك (١).
ولا يخفى أنّه إن اريد به العلم الأزلي فهو ممّا استأثر به الله تعالى ولا يطّلع حتّى نبيّه عليه ، وإن كان من القضاء الحتمي ففي الأخبار ما يدلّ على تحقّق المحو والإثبات فيهما كما أشرنا إلى ذلك ، وإن اريد به العلم الثالث فلا بأس بأن يكون المراد عدم تبدّل السعيد بالشقاوة إذا لم يشاء الله تبديلها بها. وأمّا وجه تسمية هذا النحو الذي هو في الحقيقة إبداء بالبداء فأوّلا الشباهة فإنّ هذا النحو في «العبد» هو من البداء وقد اطلق على هذا النحو في «الله» من جهة المشابهة به ، كما في قوله : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٢) أي ليعمل ما لو كان من العبد الجاهل لكان تمييزا ، وكما في قوله : «الآن علم الله فيكم ضعفا» (٣) فهذه الإطلاقات كلّها إنّما هي بجهة المشابهة ، وهناك وجه آخر لتسمية هذا الأمر بداء إلّا أنّه لغموضه رأينا أنّ الإعراض عنه أولى.
وأمّا البداء في إمامة موسى بن جعفر عليهالسلام كما ورد في زيارتهما : السلام عليكما يا من بدا الله في شأنكما ، وكذا في الحسن العسكري عليهالسلام (٤) فليس بمعنى أنّ الأئمّة أخبروا بإمامة إسماعيل والسيّد محمّد وعلّقوا الإخبار على إشاءة الله كلّا ، بل إنّ جعفر بن محمّد وكذا علي بن محمّد الهادي عليهالسلام إنّما أخبروا بأنّ موسى هو الإمام دون إسماعيل ، وكذا الهادي أخبر بأنّ محمّدا ابنه ليس هو الإمام وإنّما الإمام هو الحسن العسكري عليهالسلام في حياة إسماعيل ومحمّد. وكذا في الروايات الواردة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في
__________________
(١) كنز العمال ١ : ١١٢ ، الحديث ٥٢٦.
(٢) الأنفال : ٣٧.
(٣) الأنفال : ٦٧ ، والآية هكذا : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً.)
(٤) انظر التهذيب ٦ : ٨٣ ، الحديث ١٦٣ و ٩٤ ، والبحار ١٠٢ : ٦١.