واستيفاء الحاصل ، وهناك مقدّمات أخر غير نثر البذر ليست باختيار المكلّف ولا تحت قدرته ، وإنّما هي في اليد الغيبيّة ، وكذا المصالح المرتّبة على هذه الأفعال الخارجيّة.
ويدلّ على كون المصالح غير داخلة تحت قدرة المكلّف العلم الوجداني بعدم القدرة عليها وظواهر الأدلّة ؛ إذ لو كانت مقدورة لأمر الشارع بها رأسا كما أمر بالعتق والطلاق والتزويج ، فإنّها غير مقدورة إلّا بأسبابها مع أنّه أمر بها لكونها مقدورة ، فلو كانت هذه مقدورة أيضا لأمر بها أيضا. وحينئذ فالمصالح لخروجها عن اختيار المكلّف غير واجبة. فلا يرد على تعريف المشهور للواجب النفسي بما وجب لا لواجب آخر ، وللغيري بما وجب لواجب آخر هذا الإشكال المشهور.
نعم ، ذكر بعد هذا كلّه أنّه يرد على هذا التعريف أنّه يدخل في الواجبات الغيريّة بعض الواجبات النفسيّة مثل الغسل في ليل شهر رمضان ، فإنّه واجب لواجب آخر مع كونه من الواجبات النفسيّة ؛ فلذا عدل عن هذا التعريف وعرّفه بما ترشّح وجوبه من واجب آخر ، كما عرّف النفسي بما لم يترشّح وجوبه من واجب آخر.
والظاهر عدم تماميّة ما ذكره دفعا وحلّا للإشكال كما لا وجه لنقضه أيضا.
أمّا عدم تماميّة ما ذكره حلّا للإشكال فلأنّ ما ذكره من كون الصلاة والصوم من قبيل المعدّات للنهي عن الفحشاء والمنكر والوقاية من النار فهو متين إلّا أنّه لا يجديه ؛ وذلك لأنّ الغرض الأقصى منها هو ما ذكره كالغرض من نثر البذر ، إلّا أنّ هناك غرضا آخر يترتّب على هذه الامور بنفسها ترتّب المعلول على علّته التامّة ، بحيث يستحيل انفكاكه عنها ، وهو أنّه يكوّن في النفس أهليّة للفيوضات الإلهيّة واستعدادا لقبول ألطافه الغير المتناهية ، وهذه هي المصالح الملزمة ، وأمّا النهي عن الفحشاء والمنكر فهو الغرض الأقصى. فهذه الكمالات النفسيّة هي المصالح الملزمة وهي واجبة ومقدورة ، نظير نثر الحبّ في الأرض ليس مكوّنا إلّا استعدادا وقابليّة لأن يخرج سنبلا في كلّ سنبلة مائة حبّة ، وهذا هو الغرض الملزم ، وهو واجب ومقدور قطعا فعاد الإشكال وهو أنّه لا واجب نفسيّا غير المعرفة.