وأمّا ما ذكره قدسسره من دخول مثل الغسل في ليل شهر رمضان في الغيري مع خروجه عنه وكونه نفسيّا ففيه :
أوّلا : أنّ ظاهر كلامهم في قولهم في تعريف الغيري بما وجب لغيره كون غيره واجبا حين وجوب هذا الواجب الغيري ، وهذا مفقود في مثل الغسل ؛ فإنّه واجب ولا وجوب للصوم حينئذ ؛ لعدم مجيء وقته.
وثانيا : أنّ كلامنا ليس في الاصطلاح وأنّ النفسيّ والغيريّ موضوعان بحسب الاصطلاح لما ذا ، وإنّما المقصود هو الثمرة التي أسلفنا ذكرها من الرجوع إلى الاصول اللفظيّة أو العمليّة حيث يشكّ في سنخ الوجوب ، وكونه نفسيّا أو غيريّا ، وهذا يرد حتّى في مثل الغسل في ليل شهر رمضان ، فلا مانع من دخوله في تعريف القوم.
وأمّا أصل الإشكال وهو أنّه على تعريف المشهور لا يبقى واجب نفسي غير المعرفة فيدفعه أنّه إذا بنينا على أنّ الأمر المتوجّه إلى السبب هو بنفسه متوجّه إلى المسبّب ـ كما يؤيّده الميرزا النائيني قدسسره في كثير من كلامه (١) ـ فالجواب واضح ؛ إذ الأمر بنفسه متوجّه إلى كلّ منهما ، وليس متوجّها إلى خصوص الأفعال الخارجيّة ليرد الإشكال. وأمّا إذا لم نبن على هذا المبنى فنقول : إنّ مثل هذه المصالح كالاستعداد للفيوضات الإلهيّة والكمالات النفسيّة فليست بواجبة ؛ لأنّها غير معلومة للناس ، والواجب لا بدّ أن يكون أمرا يفهمه عامّة الناس كالتكبير والقراءة والركوع والسجود والاستقبال والضرب وأشباهها ، فإذا كانت هذه المصالح المترتّبة الغير المنفكّة غير معلومة للمكلّفين فلا يوجبها عليهم ، بخلاف مثل الوضوء والطلب للماء فإنّها مفهومة لكلّ واحد من أهل العرف.
وحينئذ فتعريف المشهور متين لا يرد عليه شيء أصلا ، وعلى تقدير أن يرد عليه إيراد فحيث إنّ الغرض من هذا البحث إنّما هو تعيين وظيفة المكلّف في مقام الدوران
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ١ : ٢٥٣.