والظاهر أنّ نظر الآخوند قدسسره إلى هذه الشبهة ، حيث أجاب (١) بأنّ الإرادة الأزليّة قد تعلّقت بالفعل الاختياري ، فمع صدوره قسرا يلزم التخلّف.
ومعلوم أنّ جوابه عين الالتزام بالجبر ؛ إذ لو تعلّقت الإرادة بصدوره اختيارا فهو مقسور على اختياره ، فليس هو إلّا اسم الاختيار لا واقعه وحقيقته.
والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ الإرادة بمعنى المشيئة إنّما تكون من كلّ فاعل بالإضافة إلى فعله ، ولا معنى لتعلّق المشيئة بفعل الغير ، وحينئذ فمشيئته تعالى إنّما تتعلّق بأفعاله التي منها استمرار إفاضة الوجود والقدرة على العبد ، ومشيئة العبد نفسه تتعلّق بأفعاله الصادرة منه ، فنفس الفعل يصدر من العبد المباشر وإن صحّ نسبته إلى الله باعتبار إفاضته الوجود والقدرة على العبد. وآية : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٢) أيضا بهذا المعنى ، يعني أنّ الله تعالى إذا تعلّقت إشاءته بعدم هذا الفعل فيرفع قدرة المكلّف عنه أو يرفع عنه الحياة.
هذه شبه الجبر ، وقد ظهر أنّ انتفاء الإرادة عن أفعال العبيد وجودا وعدما ممكن وأنّه ليس من نفي الضدّين ؛ إذ التقابل تقابل عدم وملكة ، فهما إنّما لا يجوز ارتفاعهما عمّا هو قابل لتعلّق الإرادة به ، وهو فعل الله نفسه وفعل كلّ فاعل (٣) وحيث انتهى الكلام إلى هنا ، فقد ظهر بحمد الله ـ جلّت عظمته ـ انتفاء شبه الجبر وأنّ الأفعال مخلوقة للعبيد وهم الموجدون لها وإن صحّ نسبتها إليه تعالى بما أنّه مفيض للوجود والقدرة ، فافهم.
هذا تمام الكلام في المجبّرة وجوابهم.
وأمّا الفلاسفة فحيث بنوا على أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد وطبّقوها على أفعال العباد زعموا أنّ فعل العبد ما لم يجب لم يوجد ؛ إذ لا بدّ لكلّ فعل من علّة يكون الفعل
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ٨٩.
(٢) الإنسان : ٣٠ ، التكوير : ٢٩.
(٣) كذا في الأصل ، والصحيح ظاهرا : لا فعل كلّ فاعل.