وبالجملة ، فليست الإرادة من صفات الذات في الحقّ وإنّما هي من صفات الفعل ، كما يظهر من جملة من الأخبار المعقّبة لها بالعلم والقدرة التي مؤدّاها : أنّ الله عالم قادر ثمّ أراد ، التي يظهر تراخي الإرادة عنهما.
وبالجملة ، فالفعل الاختياري هو العمل المسبوق بالعلم والقدرة وتوجده النفس بتحريك العضلات ، والشوق هو المرجّح لاختيار النفس إعماله وإيجاده ، فالموجد هو نفس الإنسان لا الإرادة ولا الاختيار ؛ إذ الاختيار ـ كما قدّمنا ـ هو طلب الخير ، وليس صفة نفسانية ، بل انتزاعية من إعمال النفس قدرتها في ايجاد الفعل الملائم لها ، فافهم.
ثمّ إنّ الأفعال الصادرة من العبد على قسمين :
أحدهما : طريقي ، وهو الأفعال النفسانيّة من العزم والبناء على إيجاد الفعل خارجا وقصده ذلك ، وهذا القصد والعزم لا يكون مسبوقا بعزم وقصد ، بل هو من الأفعال التي توجدها النفس بمجرّد تحقّق الملاءمة لإحدى قوى النفس ، وإلّا لزم التسلسل.
الثاني : الأفعال النفسيّة ، وهي الأفعال الجوارحيّة ، وهذه الأفعال تكون مسبوقة بالتصوّر والقصد إليها والبناء.
وبالجملة ، فقد اندفعت هذه الشبهة بأنّ كلّ فعل اختياريّ لا بدّ له من موجد وهو موجود في المقام ، ولا بدّ في اختيار النفس للفعل من مرجّح ليتحقّق الاختيار بمعنى طلب الخير والمرجّح هو ميلها الناشئ من إدراكها ملائمة ذلك الفعل لإحدى قواها.
ولهم شبهة اخرى تكون هي الشبهة الثالثة من الشبه العقليّة ، وملخّصها : أنّ فعل المكلّف لا بدّ أن تتعلّق إرادة الله بفعله أو تركه ، ويستحيل عدم تعلّق الإرادة به ، لاستحالة نفي الضدّين ، وإذا تعلّقت الإرادة فيستحيل تخلّف المراد عن الإرادة ، فلا بدّ من تحقّق الفعل إن كانت الإرادة قد تعلّقت بإيجاده ، أو استمرار الترك إن كانت الإرادة قد تعلّقت بعدمه.