أقول : الكلام يقع في مقامين (١) وذلك أنّه يقع أولا في أنّ الوجود في غيره له واقع أم أنّ الموجودات غير الواجب منحصرة في الجواهر والأعراض ، وأن الوجود الربطي بعينه هو الوجود الرابطي؟ الظاهر : الثاني وما ذكر من البرهان لا يقتضي المغايرة ؛ إذ قد يكون الكلّي متيقّنا والفرد مشكوك ، وهذا لا يقتضي مغايرة الفرد للكلّي وجودا ، فإذا تيقّنّا بوجود إنسان في الدار إلّا أنّا نشكّ في أنّه زيد أم غيره فهذا لا يقتضي بأنّ زيدا غير إنسان ؛ لأنّ المتيقّن غير المشكوك ، ومقامنا من هذا القبيل ؛ فإنّ كلّي العلم وإن كان متيقّنا إلّا أنّ كون زيد فردا له مشكوك.
ويقع الكلام ثانيا في أنّه لو سلّمنا أنّ الوجود في غيره له تحقّق إلّا أنّه لا يمكن أن تكون الحروف موضوعة له ؛ لأنّ الموضوع له لا بدّ من تصوّره ذهنا حتّى توضع الألفاظ له ، والوجود الربطي الخارجي يستحيل وجوده ذهنا فكيف يوضع الحروف له؟
وثالثا أنّ هذا المعنى لو وضع له الحرف لم يصح استعماله إلّا في ربط الأعراض بالجواهر ، ونحن نرى صحّة استعمال الحروف فيما هو فوق الجوهر والعرض وهو الواجب ، فيقال : واجب الوجود موجود في نفسه ، فلفظ «في» قد استعملت كما تستعمل في غيره ، والوجود الربطي بينه وبين الأعراض مستحيل. وتستعمل الحروف أيضا فيما هو دون الجوهر والعرض وهو الاعتباريّات كقولنا : اجتماع الضدّين مستحيل في نفسه ، وقولنا : العدم مقابل للوجود ، ولا معنى للوجود الربطي الخارجي بين اجتماع الضدّين والاستحالة كما لا معنى له بين العدم ومقابلة الوجود.
وبهذا الوجه الأخير يظهر فساد ما ذكره بعض المحقّقين (٢) في توجيه المعنى الحرفي بعد اعترافه بمباينته للمعنى الاسمي ، فإنّه زعم أنّ الوجود الربطي قد وضعت له
__________________
(١) بل في ثلاث مقامات.
(٢) بدائع الأفكار : ٤٩ ـ ٥١.