المتعلّمون لذلك بضارّين به من أحد إلّا بإذن الله ، بتخلية (١) الله وعلمه ، فإنّه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر.
ثمّ قال : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) لأنّهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضرّوا ، فقد تعلّموا ما يضرّهم في دينهم ولا ينفعهم فيه ، بل ينسلخون عن دين الله بذلك (وَلَقَدْ عَلِمُوا) هؤلاء المتعلّمون (لَمَنِ اشْتَراهُ) بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلّمه (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) نصيب في ثواب الجنّة.
(وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) رهنوها بالعذاب (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي لو كانوا يعلمون أنّهم قد باعوا الآخرة ، وتركوا نصيبهم من الجنّة ، لأنّ المتعلّمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول ، ولا إله ، ولا بعث ، ولا نشور.
فقال : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لأنّهم يعتقدون أن لا آخرة ، وهم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا ، وإن كانت آخرة فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها.
ثم قال : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) باعوا به أنفسهم ، إذ باعوا الآخرة بالدنيا ، ورهنوا بالعذاب أنفسهم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أنّهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب ، ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به ، لما تركوا النظر في حجج الله تعالى حتى يعلموا ، عذّبهم على اعتقادهم الباطل ، وجحدهم الحقّ» (٢).
__________________
(١) التخلية : الترك. «مجمع البحرين ـ خلا ـ ١ : ١٢٩».
(٢) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٧١ / ٣٠٤.