فجاء الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها ، فدخلت الأخاديد وحصّلت (١) في الحياض والغدران ، فلمّا كانت عشيّة اليوم همّت بالرجوع منها إلى اللّجج لتأمن من صائدها ، فرامت الرجوع فلم تقدر ، وبقيت ليلها في مكان يتهيّأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه ، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها ، فكانوا يأخذونها يوم الأحد ، ويقولون : ما اصطدنا يوم السّبت ، وإنّما اصطدنا في الأحد ، وكذّب أعداء الله ، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السّبت حتّى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم ، وتنعّموا بالنّساء وغيرها لاتّساع أيديهم.
وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا ، فعل هذا منهم سبعون ألفا ، وأنكر عليهم الباقون ، كما قصّ الله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ)(٢) الآية ، وذلك أنّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ، ومن عذاب الله خوّفوهم ، ومن انتقامه وشديد بأسه حذّروهم ، فأجابوهم عن وعظهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) بذنوبهم هلاك الاصطلام (٣) : (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً).
أجابوا القائلين هذا لهم : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم ، وكراهتنا لفعلهم ، قالوا : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٤) ونعظهم أيضا لعلّه تنجع (٥) فيهم
__________________
(١) حصّلت : تجمعت وثبتت. «القاموس المحيط ـ حصل ـ ٣ : ٣٦٨».
(٢) الأعراف ٧ : ١٦٣.
(٣) الاصطلام : الاستئصال. «الصحاح ـ صلم ـ ٥ : ١٩٦٧».
(٤) الأعراف ٧ : ١٦٤.
(٥) نجع فيه الخطاب والوعظ والدواء : أي دخل وأثر. «الصحاح ـ نجع ـ ٣ : ١٢٨٨».