أحبّ الله عزوجل أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهمالسلام حيث قال : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠٩) [الشعراء : ١٠٩] ، فأنزل الله تعالى (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) [سبأ : ٤٧] ، فهي منسوخة بهذه الآية ، وبقوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (٨٦) [ص : ٨٦] ، وغيرها من الآيات وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل ، وهذا قول غير مرضي لأن مودة النبي صلىاللهعليهوسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه ، والتقرب إلى الله بالطاعة ، والعمل الصالح من فرائض الدين ، وهذه أقاويل السلف في معنى الآية فلا يجوز المصير إلى نسخ شيء من هذه الأشياء. وقوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، ليس باستثناء متصل بالأول حتى يكون ذلك أجرا في مقابلة أداء الرسالة ، بل هو منقطع ، ومعناه : لكني (١) أذكركم المودة في القربى وأذكركم قرابتي منكم.
[١٨٧٤] كما روينا في حديث زيد بن أرقم : «أذكركم الله في أهل بيتي». قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) ، أي : من يزد طاعة نزد له فيها حسنا بالتضعيف ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) ، للذنوب ، (شَكُورٌ) ، للقليل [من الحسنات](٢) حتى يضاعفها.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥))
(أَمْ يَقُولُونَ) ، بل يقولون يعني كفار مكة ، (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) ، قال مجاهد : نربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم ، وقولهم إنه مفتر ، قال قتادة : يعني يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما أتاك ، فأخبرهم أنه لو افترى على الله كذبا لفعل به ما أخبر عنه في هذه الآية ثم ابتدأ فقال : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) ، قال الكسائي : فيه تقديم وتأخير مجازه : والله يمحو الباطل. فهو في محل رفع ولكنه حذف (٣) منه الواو في المصحف على اللفظ كما حذفت من قوله : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) [الإسراء : ١١] و (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)) [العلق : ١٧] أخبر أن ما يقولون باطل يمحوه الله ، (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ، أي الإسلام بما أنزل من كتابه ، وقد فعل الله ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام ، (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، قال ابن عباس : لما نزلت : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده ، فنزل جبريل فأخبره أنهم اتهموه وأنزل هذه الآية ، فقال القوم الذين اتهموه : يا رسول الله [فإنا](٤) نشهد أنك صادق.
فنزل : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) ، قال ابن عباس : يريد أولياءه وأهل طاعته ، قيل : التوبة ترك المعاصي نية وفعلا ، والإقبال على الطاعة نية وفعلا ، قال سهل بن عبد الله : التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة. (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) ، إذا تابوا فلا يؤاخذهم بها.
[١٨٧٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر
__________________
[١٨٧٤] ـ تقدم في سورة آل عمران آية : ١٠١.
[١٨٧٥] ـ إسناده صحيح ، حميد ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
ـ أبو عوانة ، اسمه وضّاح مشهور بكنيته ، الأعمش هو سليمان بن مهران.
(١) في المطبوع «لكي» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «حذفت» والمثبت عن ط والمخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط و «ط».