ويقال : دنا محمد من ربّه بما أودع من لطائف المعرفة وزوائدها ، فتدلّى بسكون قلبه إلى ما أدناه.
(فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) : فكان جبريل ـ وهو في صورته التي هو عليها ـ من محمد صلىاللهعليهوسلم بحيث كان بينهما قدر قوسين أو أدنى.
ويقال : كان بينه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبين الله قدر قوسين : أراد به دنوّ كرامة لا دنوّ مسافة.
ويقال : كان من عادتهم إذا أرادوا تحقيق الألفة بينهم إلصاق أحدهم قوسه بقوس صاحبه عبارة عن (١) عقد الموالاة بينهما ، وأنزل الله ـ سبحانه ـ هذا الخطاب على مقتضى معهودهم. ثم رفع الله هذا فقال : (أَوْ أَدْنى) أي بل أدنى.
قوله جل ذكره : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠))
أي أوحى الله إلى محمد ما أوحى. ويقال : أحمله أحمالا (٢) لم يطلّع عليها أحد.
ويقال : قال له : ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟
ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك؟
ويقال : بشّره بالحوض والكوثر.
ويقال : أوحى إليه أنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتّك. والأولى أن يقال : هذا الذي قالوه كله حسن ، وغيره مما لم يطّلع أحد .. كله أيضا كان له في تلك الليلة وحده ؛ إذ رقّاه إلى ما رقّاه ، ولقّاه بما لقّاه ، وأدناه حيث لا دنوّ قبله ولا بعده ، وأخذه عنه حيث لا غير ، وأصحاه له في عين ما محاه عنه ، وقال له ما قال .. دون أن يطّلع أحد على ما كان بينهما من السّرّ (٣).
__________________
(١) كما نقول في أسلوبنا الآن (تعبيرا عن ..)
(٢) هكذا في ص وهي أصوب مما جاء في م (أجمله إجمالا) بالجيم فالسياق يرفضهما.
(٣) هذه الفقرة الأخيرة محاولة من جانب أرباب الحقيقة لفهم بعض جوانب في قصة الإسراء والمعراج. ومضمون كلام القشيري أننا لو كنا نستسيغ حدوث أحوال الكشوفات والمواصلات التي تتاح للأولياء العارفين .. فكيف لا نتقبلها بالنسبة للمصطفى عليه صلوات الله وسلامه؟ وبمعنى آخر : نجد التفسير الصوفي يبرز نفسه في قوة ونصاعة لتوضيح قضية من قضايا التدين ، كانت موضع جدل في زمانها وبعد زمانها.