(الَّذِي عِنْدَهُ
عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (قيل هو آصف) وكان صاحب كرامة. وكرامات الأولياء ملتحقة بمعجزات
الأنبياء ، إذ لو لم يكن النبيّ صادقا في نبوته لم تكن الكرامة تظهر على من يصدّقه
ويكون من جملة أمته.
ومعلوم أنه لا
يكون في وسع البشر الإتيان بالعرش بهذه السرعة ، وأن ذلك لا يحصل إلا بخصائص قدرة
الله تعالى. وقطع المسافة البعيدة في لحظة لا يصح تقديره في الجواز إلا بأحد وجهين
: إمّا بأن يقدّم الله المسافة بين (العرش وبين منزل سليمان) ، وإمّا بأن يعدم العرش ثم يعيده في الوقت الثاني بحضرة
سليمان. وأيّ واحد من القسمين كان ـ لم يكن إلّا من قبل الله ، فالذى كان عنده علم
من الكتاب دعا الله ـ سبحانه ـ واستجاب له في ذلك ، وأحضر العرش ، وأمر سليمان حتى
غيّر صورته فجعل أعلاه أسفله ، وأسفله أعلاه ، وأثبته على تركيب آخر غير ما كان
عليه.
ولمّا رأى
سليمان ذلك أخذ في الشكر لله ـ سبحانه ـ والاعتراف بعظم نعمه ، والاستحياء ،
والتواضع له ، وقال : (هذا مِنْ فَضْلِ
رَبِّي) لا باستحقاق منى ، ولا باستطاعة من غيرى ، بل أحمد
النعمة لربّى حيث جعل في قومى ومن أمتى من له الجاه عنده فاستجاب دعاءه.
وحقيقة الشكر ـ
على لسان العلماء ـ الاعتراف بنعمة المنعم على جهة الخضوع والأحسن أن يقال الشكر
هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه ، فيدخل في هذا شكر الله للعبد لأنه ثناء منه
على العبد بذكر إحسان العبد ، وشكر العبد ثناء على الله بذكر إحسانه .. إلّا إنّ
إحسان الحقّ هو إنعامه ، وإحسان العبد طاعته وخدمته لله ، وما هو الحميد من
أفعاله.
فأمّا على طريق
أهل المعاملة وبيان الإشارة : فالشكر صرف النعمة في وجه الخدمة.
__________________