كان سليمان ـ عليهالسلام ـ يتكىء على عصاه وقتما قبض ، وبقي على ذلك الوصف مدة ، والشياطين كانوا مسخّرين يعملون ما أمرهم به ، ويتصرفون على الوجه الذي رسم لهم ، وينتهون عمّا زجرهم ، فقد كانوا يتوهمّون أنه حيّ. ثم إنّ الأرضة (١) أكلت عصاه فخرّ سليمان فعلم الشياطين عندئذ أنه مات ، فرجعوا إلى أعمالهم الخبيثة ، وانفكّ عنهم ما كانوا عليه من التسخير ؛ وهكذا الملك الذي يقوم ملكه بغيره ، ويكون استمساكه بعصا .. فإنه إذا سقط سقط بسقوطه ، ومن قام بغيره زال بزواله.
قوله جل ذكره : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥))
كانوا في رغد من العيش وسلامة الحال ورفاهته ، فأمروا بالصبر على العافية والشكر على النعمة ، وهذا أمر سهل يسير ، ولكنهم أعرضوا عن الوفاق ، وكفروا بالنعمة ، وضيّعوا الشكر ، فبدّلوا وبدّل بهم الحال ، كما قالوا :
بدلت وتبدلنا يا حسرة لمن |
|
ابتغى عوضا لسلمى فلم يجد |
قوله جل ذكره : (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦))
كذلك من الناس من يكون في رغد من الحال ، واتصال من التوفيق ، وطرب من القلب ، ومساعدة من الوقت ، فيرتكب زلّة أو يسىء أدبا أو يتبع شهوة ، ولا يعرف قدر ما هو به ، فيتغير عليه الحال ؛ فلا وقت ولا حال ، ولا طرب ولا وصال ؛ يظلم عليه النهار وقد كانت لياليه مضيئة ، كما قلنا (٢) :
__________________
(١) الأرضة ـ دودة تأكل الخشب.
(٢) هكذا في ولكنها في ص : كما قالوا.