قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩))
ذكر نعمة الله مقابلتها بالشكر ، ولو تذكرت ما دفع عنك فيما سلف لهانت عليك مقاساة البلاء في الحال ، ولو تذكرت ما أولاك في الماضي لقربت من قلبك الثقة في إيصال ما تؤمّله في المستقبل.
ومن جملة ما ذكّرهم به : (١) (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ...) كم بلاء صرفه عن العبد وهو لم يشعر! وكم شغل كان يقصده فصدّه عنه ولم يعلم! وكم أمر عوّقه والعبد يضجّ وهو ـ ـ (سبحانه) ـ يعلم أن في تيسيره له هلاك العبد فمنعه منه رحمة به ، والعبد يتّهم ويضيق صدره بذلك!
قوله جل ذكره : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠))
أحاط بهم سرادق البلاء ، وأحدق بهم عسكر العدوّ ، واستسلموا للاجتياح ، وبلغت القلوب الحناجر ، وتقسّمت الظنون ، وداخلتهم كوامن الارتياب ، وبدا في سويدائهم جولان الشكّ.
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً)
ثم أزال عنهم جملتها ، وقشع عنهم شدّتها ، فانجاب عنهم سحابها ، وتفرّقت عن قلوبهم همومها ، وتفجّرت ينابيع سكينتهم.
__________________
(١) يوضح القشيري هنا ما يسمى عنده (نعم المنع) وهي صنف آخر يختلف عن (نعم المنح) ، والعبد ـ لقصر نظره ـ يشكر على هذه ، وتخفى عليه تلك.