الا ان هذا النهي غيري نشأ من مقدمية تركها أو ملازمته للمأمور به ولم ينشأ عن مفسدة في متعلقة ليكون موجبا لاضمحلال ما فيه من الملاك الصالح للتقرب بما اشتمل عليه.
وعليه فالعبادة باقية على ما كانت عليه من الملاك والمصلحة والمحبوبية الذاتية الصالحة للتقرب بها ، والنهى المتعلق بها بما انه غيري لم ينشأ عن المفسدة وعن المبغوضية للمولى ، ولذلك قالوا انه لا يوجب البعد عن الله تعالى ولا العقاب على مخالفته فلا يكون صالحا للمانعية.
فالمقتضي للصحة موجود ، والمانع مفقود ، فلا بد من البناء عليها.
ثم ان المحقق الثاني (١) أورد على إنكار الثمرة في الصورة الأولى ، وهي مزاحمة الموسع بالمضيق بما أوضحه جماعة من المحققين (٢) منهم المحقق النائيني (٣) وحاصله يبتني على أمور :
(١) ان الامر بالعبادة انما يكون متعلقا بالطبيعة الملغاة عنها جميع الخصوصيات والتشخصات ، دون الأفراد ، وبعبارة أخرى : ان التكليف انما تعلق بصرف وجود الطبيعة دون خصوصيات أفرادها كي يرجع التخيير بينها إلى التخيير الشرعي ، ومقتضى إطلاق الامر بها ترخيص المكلف في تطبيق تلك الطبيعة على أي فرد من أفرادها شاء تطبيقها عليه من الأفراد العرضية
__________________
(١) كما مر تخريجه عن جامع المقاصد ج ٥ ص ١٣ ـ ١٤.
(٢) كالميرزا الرشتي في بدائع الأفكار ص ٣٨٩.
(٣) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٦٢ وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ٢٢ ، وأورد المحقق الثاني.