أنه لما أمر تعالى الناس فيما تقدم بالهجرة ، ونهى عن موالاة من تأخّر ، استثنى بهذه الآية من يحصل له إحدى حالتين ؛ إما أن يصلوا إلى قوم بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم عهد لتعذر لحوقهم به ، فيقيموا إلى وقت الإمكان به ؛ وإما أن يهاجروا ويأتوا النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين فتحصر صدورهم أن يقاتلوا المسلمين لعلمهم بكونهم على الحق ، وأن يقاتلوا قومهم لكونهم غير آمنين على مالهم وذويهم ، فهذا معنى قوله : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) إظهار من الله تعالى لنعمته على المسلمين وأنه لو لم يهدهم لكانوا في جملة المتسلطين عليكم ، ثم بيّن أنهم إذ قد اعتزلوا وأظهروا الإسلام فاتركوهم (١) ؛ فهذا على ما ذكر هذا القائل هم الذين أسلموا / ولم يستحكم إيمانهم ،
__________________
(١) قال القرطبي : «ووجه النظم والاتصال بما قبل : أي اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إلا أن يهاجروا ، وإلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق ، فيدخلون فيما دخلوا فيه ، فلهم حكمهم ، وإلا الذين جاؤوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ، فدخلوا فيكم ، فلا تقتلوهم». الجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣١٠). وانظر : تفسير الآية في : جامع البيان (٩ / ١٩ ، ٢١ ، ٢٣) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٥٩ ، ٤٦٠) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣٠٨ ـ ٣١٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٣٢٨ ـ ٣٣١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٥٠٥ ، ٥٠٦).