وما (١) كان صدقا من الحديث لا يتضارب ، فيكون من بعض قائليه أكثر صدقا من قائل آخر؟ قيل : إن الصدق من صفة القائل لا من القول ، والقائلون إذا اعتبروا بأقوالهم فمنهم من يكون صدقه في أحاديثه أكثر ، فكأنه قيل إذا اعتبر الصادقون في أقوالهم فليس فيهم أكثر صدقا من الله ، فإنه لا يقع في خبره كذب بوجه (٢).
قوله عزوجل : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)(٣).
الرّكس والنّكس : الرّذل ، والركس أبلغ ، لأن النكس ما جعل أسفله أعلاه ، والركس أصله ما جعل رجيعا (٤) بعد أن كان
__________________
ـ تكلّفوا إلا بالظاهر .. فيفصل بينكم وبين من أخبركم بهم من المنافقين ، ونقد أحوالهم وبيّن محالهم ، فيجازي كلّا بما يستحق» نظم الدرر (٢ / ٢٩٣).
(١) تصحفت في الأصل إلى : (من) ، والصواب ما أثبتّه.
(٢) قال النيسابوري : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) استفهام على سبيل الإنكار ، وذلك أن الصدق من صفات الكمال ، والكمال للواجب أولى وأحقّ وأقدم وأتمّ من غيره». تفسير غرائب القرآن (٢ / ٤٦٤). وانظر : المحرر الوجيز (٤ / ١٩٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٣٢٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٥٠٤).
(٣) سورة النساء ، الآية : ٨٨.
(٤) في الأصل (من جعل طوفا) وليس له معنى مفهوم ، والتصحيح مما نقله