ما قد سبق من كلامه ، وإلا فأي ذي مسكة من العقل يقول : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، ثم يقول منكرا على ما قال ذلك (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)(١) فيثبت ما قد نفاه ، وينقض ما قد بناه ، هذا من طعن الملحدة (٢) ، فأما أهل الشرع فقد (٣) تعلق بالآية الأولى الفرقة التي لقبها المعتزلة بالجبر (٤) ، فقالوا : إن قوله : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) عام يدل على أن الأفعال الظاهرة من العباد هي من الله ، وتأولوا قوله تعالى : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) يقتضي أن لا ينسب فعل السيئة إلى الله تعالى بوجه (٥) ، وجعلوا الحسنة والسيئة في الآية الأولى بمعنى
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٧٩.
(٢) انظر : معالم التنزيل (٢ / ٢٥٢ ، ٢٥٣) ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (١٤ / ٢٤٨ ـ ٢٥١).
(٣) في الأصل (قد) والسياق يقتضي إضافة الفاء في أولها.
(٤) الجبر : هو نفي الفعل عن العبد وإضافته إلى الربّ تعالى ، وهم أصناف ، منهم من لا يثبت للعبد فعلا ولا قدرة أصلا ، ومنهم من يثبت له قدرة غير مؤثرة ، وأشهر فرقهم الجهمية. انظر : مقالات الإسلاميين (١ / ٣٣٨) ، الفرق بين الفرق ص (١٩٤ ، ١٩٥) ، اعتقاد فرق المسلمين والمشركين للرازي ص (٦٨).
(٥) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأما السيئة : فهو إنما يخلقها بحكمة ، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه ، فإن الربّ لا يفعل سيئة قط ، بل