ما فعلتم بيوسف وأخيه بنيامين من التفريق بينهما في الصّغر ، وألقيتم يوسف في البئر وعرضتموه للهلاك ، وما عاملتموه به من معاملة خشنة قاسية ، حال كونكم جاهلين قبح ما فعلتم ، من عقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم والقرابة ، وذلك جهل المعصية ، أو جهل الشباب وقلّة الحنكة ، وكأنه ببشره وتبسّمه لقّنهم الجواب ، وقرّبهم من الظّن القوي أنه يوسف.
فخاطبوه مستفهمين استفهام تقرير وتثبّت ومعرفة : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) فقد عرفوه بعلامات كانت فيه. فقال على الفور : أنا يوسف المظلوم العاجز الذي نصرني الله ، وحفظني ، وصيّرني إلى ما ترون ، وهذا أخي بنيامين الذي فرّقتم بيني وبينه ، فكان مظلوما أيضا كما كنت ، ثم صار منعما عليه من قبل الله تعالى ، كما ترون. قد أنعم الله علينا بالاجتماع ، بعد الفرقة وبعد طول المدة ، وأعزّنا في الدنيا والآخرة ، إنه من يتق الله في ترك المعصية ، ويصبر على المحن التي يتعرّض لها كالرّمي في البئر والسجن ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا في الدنيا والآخرة. وهذه شهادة من الله عزوجل بأن يوسف من المتقين الصابرين المحسنين.
أجابوه إعلانا للحق واعترافا له بالفضل : والله لقد فضّلك الله علينا ، وآثرك بالعلم والحلم والخلق ، والسلطان والسعة ، والنّبوة والرّسالة ، وإن كنا مخطئين مذنبين في حقّك ، فقال يوسف بعد هذا الاعتذار والتوبة ، معلنا الصفح والعفو عنهم : لا لوم ولا تعيير ولا توبيخ أو تأنيب لأحد منكم فيما صنعتم ، يغفر الله لكم ذنوبكم وظلمكم ، وهو أرحم الراحمين لمن تاب إليه وأناب إلى طاعته. وهذا مثل عال في العفو الجميل والصفح الكريم ، فعل نبينا عليه الصّلاة والسّلام مثله مع أهل مكة بعد فتحها ، مستشهدا بقول يوسف نفسه.
ثم جاءت معجزة القميص ، قال يوسف لإخوته : اذهبوا بقميصي هذا ، فألقوه على