(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ..) الآية ، أي وقل أيها الرسول للكافرين الذين لا يؤمنون بما جئت به من ربّك ، على سبيل التهديد : اعملوا على حالاتكم وطريقتكم التي أنتم عليها من كفركم ، وافعلوا ما تريدون من إيقاع الشّرّ بي ، فنحن أيضا عاملون على طريقتنا ومنهجنا وهو الإيمان الصحيح والدعوة إلى الخير ، وهذه مقولة تشبه مقالة شعيب عليهالسلام لقومه في مدين. وانتظروا بنا نهاية أمرنا ، إما بموت أو غيره مما تأملون ، إنا منتظرون عاقبة أمركم ، وما ينزل بكم من عقاب نزل بأمثالكم ، إما من عند الله بالاستئصال الشامل ، أو بأيدي المؤمنين بالحروب والمعارك. وانتظار مصير الفريقين له شبيه بقوله تعالى : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٦ / ١٣٥].
وألفاظ هذه الآية تصلح للموادعة ، وتصلح أن تقال على جهة الوعيد المحض والحرب قائمة.
ثم ختم الله تعالى سورة هود بآية تدلّ على انفراد الخالق بالعظمة وبما لا يمكن للبشر معرفته ، وهو علم الغيب ، وتبيين أن الخير والشّر وجليل الأشياء وحقيرها ، متعلّق بأحكام المالك الحقيقي : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) أي إن الله تعالى مختص بعلم الغيب في السماوات والأرض في كل زمان من الماضي والحاضر والمستقبل ، ومرجع جميع الخلائق والكائنات إلى الله تعالى ؛ لأنه مصدر الكل ومبدأ الكل ، وصاحب القدرة الشاملة ، والمشيئة النافذة.
وإذا كان الله هو المتّصف بما ذكر ، فاعبده وحده ومن معك من المؤمنين ، وفوّض أمرك كله لله ، وثق به تمام الثقة في كل شيء ، وليس بخفي على الله كل ما يعمل به المكذّبون والمصدقون ، وما عليه أحوالهم ، وما تصدر عنه أقوالهم ، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء في الدنيا والآخرة ، وسينصرك الله أيها النّبي على أعدائك ، ويكتب لرسالتك ودعوتك الخلود والفوز ، فلا تبال بهم.