بَناتِي) ليس إباحة البنات مطلقا ، وإنما المراد التّزوج بنساء قومه ؛ لأن الرسول في القوم كالأب لهم. ومن فسّر كلمة (بَناتِي) ببنات صلبه ، أراد ذلك على طريق المجاز ، كما تقول لإنسان تراه يريد قتل آخر : «اقتلني ولا تقتله». فإنما ذلك على جهة التشنيع عليه ، واستدعاء الحياء منه ، وحمله على العدول عن إجرامه ، وهذا كله من مبالغة القول الذي لا يدخله معنى الكذب.
ثم أقسم الله بقوله : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)) أي أقسم بحياتك وعمرك أيها الرسول ـ وفي هذا تشريف عظيم للوط ـ إنهم في غوايتهم يتحيّرون ، وفي ضلالتهم يتردّدون أو يلعبون.
فنزلت فيهم صيحة جبريل عليهالسلام ، وهي ما جاءهم من الصوت القاصف المرعب ، عند شروق الشمس ، فجعلت القرية أو المدينة عاليها سافلها ، أي انقلبت في الأعماق ، وانقلب القوم فيها ، وأنزل الله تعالى عليهم حجارة من طين متحجر طبخ بالنار وهو السّجيل. لقد اقتلع جبريل عليهالسلام المدينة بجناحه ورفعها ، حتى سمعت ملائكة السماء صراخ الديكة ونباح الكلاب ، ثم قلبها ، فمن سقط عليه شيء من ردم المدينة مات ، ومن أفلت منهم أصابته حجارة من سجّيل : وهي الحجارة المطبوخة من الطين كالآجرّ ونحوه.
إن في هذا الصنيع بقوم لوط من الهلاك والدمار ، وإنجاء لوط وأهله المؤمنين لدلالة وعبرة للناظرين المتأمّلين المعتبرين ، وإن مدينة سدوم التي أصابها هذا العذاب لهي طريق واضحة للمسافرين المارّين بها ، فما تزال آثارها باقية إلى اليوم ، في وادي الأردن. وفي ذلك أيضا لدلالة واضحة للمؤمنين بالله ورسله بأن العذاب انتقام من الله لأنبيائه.