هذه الآيات تأمر المؤمنين بالتزام شرع التحليل والتحريم الإلهي ، فيباح لكم أيها المؤمنون الأكل مما رزقكم الله حلالا طيبا أي مستلذا ، وعليكم أن تشكروا الله على تباين حالكم من حال الكفرة ، وإن كنتم تعبدونه حقا ، وتطيعونه فيما أمر ، وتنتهون عما نهى. وسبب نزول هذه الآية أن الكفار المشركين كانوا قد سنّوا في الأنعام سننا معينة ، فأحلّوا بعضا وحرموا بعضا ، فأمر الله المؤمنين بأكل جميع الأنعام التي رزقها عباده. وآخر الآية (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) تحريض للنفوس على التزام شرع الله ، كما تقول لرجل : إن كنت من الرجال فافعل كذا ، على معنى تحريض نفسه.
وحصر الله تعالى بكلمة (إِنَّما) المفيدة للحصر المحرمات وقت نزول الآية بالميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير والمذبوح على غير اسم الله ، ثم نزلت المحرمات بعد ذلك ، لكن من اضطر أو أكره أي دعته الضرورة وألجأته ، من غير بغي ولا عدوان أي غير مستعمل لهذه المحرمات مع وجود غيرها ، ولا متجاوز حدود الله فيها ، فلا مانع من تناول هذه المحرمات ، ويرخص له أكلها ، ويرفع عنه الإثم حال الضرورة ، فيغفر الله فعله ، ويرحمه فلا يعاقبه على مثل ذلك.
ثم رد الله على المشركين الذين حرموا البحائر والسوائب ونحوها من كل ما حرّموا ، وأحلوا ما في بطون بعض الأنعام وإن كان ميتة ، فنهى الله المؤمنين عن سلوك سبيل المشركين بالتحليل والتحريم بآرائهم ، فلا يجوز لكم أيها المشركون أن تحللوا وتحرموا بالرأي والهوى والجهالة ، من دون اتباع شرع الله ، ولمجرد وصف ألسنتكم الكذب من غير دليل ولا حجة ، وذلك لتصير عاقبة أمركم إسناد التحليل والتحريم إلى الله كذبا ، من غير إنزال شيء فيه ، فإن من حلل أو حرم شيئا برأيه المحض ، دون دليل أو وحي من الله ، كان من الكاذبين على الله سبحانه. وهناك