الله الرّزق للكافر ، ويقتّره على المؤمن ، وذلك لا يدلّ على تكريم الكافر وإهانة المؤمن ، فإن سعة الرزق قد تكون دليلا على التّورّط والاستدراج والإضرار ، وتضييق الرزق قد يكون زيادة في الأجر والثواب. والمعنى إن هذا كله بمشيئة الله ، يهب الكافر المال ليهلكه به ، ويقدره على المؤمن ليعظم بذلك أجره وذخره. لهذا عاب الله الأغنياء الأشقياء وحقّر شأنهم وشأن أموالهم ، فلا يصح لهم أن يفهموا أن زيادة الرزق والغنى ووفرة المال لكونهم يستحقون ذلك ، وإنما قد يكون ذلك تعذيبا لهم ، فإذا فرح المشركون والكافرون فرح بطر وتكبّر بالحياة الدنيا ومتعها ، وجهلوا ما عند الله من الخير الدائم الخالد في الآخرة والسعادة الأبدية ، فإن فرحتهم يعقبها الغصّة والألم ، لأن الحياة الدنيا في ميزان الآخرة مجرد متاع زائل ، وشيء قليل ذاهب ، يزول بسرعة كالبرق الخاطف ، لمن تأمل ووعى. روى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما الدّنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم ، فلينظر بم يرجع ، وأشار بالسّبابة».
وقد يتمادى أهل الثروة والطغيان فيطالبون بمطالب مادّية تعجيزية لا فائدة منها ، مثلما فعل مشركو مكة الذين اغتروا بمتاع الحياة الدنيا ، وطمست المادة وحبّ الدنيا قلوبهم ومشاعرهم ، فاقترحوا على النّبي صلىاللهعليهوسلم إنزال آيات مادّية غريبة كإسقاط السماء عليهم كسفا ، أي قطعا ، أو تسيير جبال مكة من أماكنها ، وجعل البطاح محارث وبساتين ومغارس ، وإحياء الماضين والأسلاف ، علما بأن مثل هذه المقترحات لا تكون عادة إلا إذا أراد الله تعذيب قوم ، فردّ الله عليهم بأن نزول هذه الآيات لا يؤدي بالضرورة إلى إيمانهم ولا هداهم ، وإنما الأمر بيد الله يضلّ من يشاء بسبب علمه بفساد الضّال ، ويهدي من يشاء إلى طاعته والإيمان به بسبب إيمانه بالآيات الدّالة على حقيقة الإيمان ، وإنابته لطاعة الرحمن.